أي: لو كان لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون أحداً مقدار نقير؛ لفرط بخلهم، والنقير: النقرة في ظهر النواة، وهو مثل في القلة كالفتيل والقطمير.
والمراد بالملك: إما ملك أهل الدنيا، وإما ملك اللَّه كقوله:(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ)[الإسراء: ١٠٠]، وهذا أوصف لهم بالشح، وأحسن لطباقه نظيره من القرآن، ويجوز أن يكون معنى الهمزة في (أم) لإنكار أنهم قد أوتوا نصيباً من الملك وكانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة، كما تكون أحوال الملوك. وأنهم لا يؤتون أحداً مما يملكون شيئاً. وقرأ ابن مسعود:(فإذاً
قوله: (لطباقه) الضمير ل ((هذا))، وقد أضاف إلى الفاعل، و ((نظيره)): مفعوله، وإنما كان أوصف لهم بالشح وأحسن لطباق القرآن؛ لأنه أعرق في بيان شحهم حيث جعل نصيبهم من الملك ما ليس شيءٌ أوسع منه، وهو ملك الله، ووصف منعهم لشيءٍ ليس شيءٌ أقل منه، وهو النقرة في النواة، فأعرق في طرفي الإفراط والتفريط.
قوله:(الإنكار أنهم قد أوتوا) والفرق بين الوجهين أن الإنكار على الأول متوجهٌ إلى أن يكون لهم نصيبٌ من الملك فقط، أي: ليس لهم نصيب، فالفاء جزاءٌ لشرطٍ محذوف، يعني: إن قدر أن لهم نصيباً فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً، وإليه أشار بقوله:((لو كان لهم نصيبٌ من الملك))، وعلى الثاني متوجهٌ إلى أن يكون لهم نصيب، وإلى أنهم لا يؤتون أحداً شيئاً؛ فالإنكار منصبٌ على الأمرين، يعني: أوتوا نصيباً من الملك ليشكروا وينفقوا في سبيل الله؛ فجعلوه سبباً للإمساك، كقوله تعالى:(وتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)[الواقعة: ٨٢]، فالفاء سببيةٌ، نحو اللام في قوله:(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًا)[القصص: ٨].
قوله:(وكانوا أصحاب أموالٍ وبساتين)، واستشهادٌ لإثبات الملك لهم، وهي جملةٌ حالية؛ فالهمزة على الثاني للإنكار والتقرير، ومعناه: لما كان، وعلى الأول للإنكار فقط، ومعناه: لم يكن.