لا يؤتوا)، على إعمال "إذن" عملها الذي هو النصب، وهي ملغاة في قراءة العامة، كأنه قيل: فلا يؤتون الناس نقيراً إذن. (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ): بل أيحسدون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمؤمنين؟ على إنكار الحسد واستقباحه! وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم اللَّه من النصرة والغلبة وازدياد العزّ والتقدّم كل يوم. (فَقَدْ آتَيْنا): إلزام لهم بما عرفوه من
قوله:(على إعمال ((إذن)) عملها الذي هو النصب، وهي ملغاةٌ في قراءة العامة)، قال الزجاج: وأما رفع (يُؤْتُونَ) فعلى معنى: فلا يؤتون الناس نقيراً إذن، ومن نصب قال: فإذن لا يؤتوا، وهو شاذ، والمصحف لا يخالف. قال سيبويه:((إذن: في عوامل الأفعال بمنزلة ((أظن)) في عوامل الأسماء))، فإذا ابتدأت ((إذن)) وأنت تريد الاستقبال نصبت لا غير، تقول: إذن أكرمك، فإذا جعلتها معترضةً ألغيتها فقلت: أنا إذن أكرمك، فإن أتيت بها مع الواو والفاء قلت: فإذن أكرمُك، وإن شئت: فإذن أكرمَك، فمن نصب بها جعل الفاء ملصقةً بها في اللفظ والمعنى، ومن رفع ((أكرمُك)) جعل ((إذن)) لغواً، وجعل الفاء في المعنى معلقةً ب ((أكرمُك))، المعنى: فأكرمُك إذن، وتأويل ((إذن)): إذا كان الأمر كما ذكرت أو كما جرى.
قوله:(كأنه قيل: فلا يؤتون الناس نقيراً إذن) ولما كان ((إذن)) جواباً وجزاءً فلابد من السؤال، والسؤال هنا مقدر، فكأنه لما قيل منكراً:(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ)، أي: ليس لهم ذلك ولا ينبغي، اتجه لسائلٍ أن يقول: فلو قدر أن يكون لهم نصيبٌ من الملك فماذا يكون حينئذٍ؟ فقيل: فلا يؤتون الناس نقيراً، ثم أقحم ((إذن)) توكيداً.
قوله:(على إنكار الحسد) متعلقٌ بقوله: ((بل أيحسدون)) من حيث المعنى، يعني:((أم)) منقطعةٌ بمعنى ((بل))، والهمزة واردةٌ على إنكار الحسد.
قوله:((فَقَدْ آتَيْنَا): إلزامٌ لهم بما عرفوه) فالفاء في (فَقَدْ) مثلها في قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ ولا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ ونَذِيرٌ)[المائدة: ١٩] وقول القائل: