للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [البقرة: ٨٠]. وإذا أبطل اللَّه الأماني وأثبت أن الأمر كله معقود بالعمل، وأن من أصلح عمله فهو الفائز، ومن أساء عمله فهو الهالك؛ تبين الأمر ووضح، ووجب قطع الأماني، وحسم المطامع، والإقبال على العمل الصالح، ولكنه نصح لا تعيه الآذان ولا تلقى إليه الأذهان. فإن قلت: ما الفرق بين (من) الأولى والثانية؟ قلت: الأولى للتبعيض، أراد: ومن يعمل بعض الصالحات؛ لأنّ كلاً لا يتمكن من عمل كل الصالحات؛ لاختلاف الأحوال، وإنما يعمل منها ما هو تكليفه وفي وسعه، وكم من مكلفٍ لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة، وتسقط عنه الصلاة في بعض الأحوال. والثانية لتبيين الإبهام في: (مَنْ يَعْمَلْ). فإن قلت: كيف خُصَّ الصالحون بأنهم لا يظلمون وغيرهم مثلهم في ذلك؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما: أن يكون الراجع في: (وَلا يُظْلَمُونَ) لعمال الصالحات وعمال السوء جميعاً. والثاني: أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دالاً على ذكره عند الآخر؛ لأن كلا الفريقين مجزيون بأعمالهم لا تفاوت بينهم؛ ولأن ظلم المسيء أن يزاد في عقابه، وأرحم الراحمين معلوم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ولكنه نُصحٌ لا تعيه الآذان) تعريض بأهل السنة! لكنهم لا يقولون بوجوب الجزاء على ما عملوا، فكيف يلتفتون إلى مجرد الأماني؟ بل يرجون رحمته فضلاً منه؛ لا بالعمل كما جاء في الأحاديث الصحيحة.

قوله: (والثانية لتبين الإبهام في {مَنْ يَعْمَلْ}. قال أبو البقاء: {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} في موضع الحال من المستكين في {يَعْمَلْ}، و {مَنْ}: للبيان، أو: حالٌ من {الصَّالِحَاتِ}، و {مَنْ}: للابتداء، أي كائنة من ذكر أو أنثى، و {مِن} الأولى زائدة عند الأخفش، وصفة عند سيبويه.

قوله: (ولأن ظلم المسيء) عطفٌ على قوله: "لأن كلا الفريقين"، والفاء في قوله: "فكان ذكره مستغني عنه" للنتيجة، وقيل: دليل ثالث على التخصيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>