فحقه أن يكون مطاعاً في خلقه غير معصىّ. يتقون عقابه ويرجون ثوابه.
(ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب) من الأمم السالفة، ووصيناكم (أن اتقوا اللَّه) يعني: أنها وصية قديمة ما زال يوصي اللَّه بها عباده، لستم بها مخصوصين؛ لأنهم بالتقوى يسعدون عنده، وبها ينالون النجاة في العاقبة. وقلنا لهم ولكم: وإن تكفروا فإنّ للَّه في سماواته وأرضه من الملائكة والثقلين من يوحده ويتقيه ويعبده، (وَكانَ اللَّهُ) مع ذلك (غَنِيًّا) عن خلقه وعن عبادتهم جميعاً مستحقاً لأن يحمد لكثرة نعمه وإن لم يحمده أحد منهم. وتكرير قوله:(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تقرير لما هو موجب تقواه؛ ليتقوه فيطيعوه ولا يعصوه،
فظهر من هذا البيان تقييد قوله:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} في الموضعين بحسب المقامين، بقي الثالث فيُحمل على القدرة الكاملة المختصة به تعالى ليكون قوله:{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} تذييلاً، والجملة كالتكميل لقوله:{وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} وإن لم يذهب إليه فيضم معهما صفة المقدرة ويكون كالتخلص منها إلى قوله تعالى: {إِنْ يَشَا يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ}، فإنه كما قال:"وهذا غضب عليهم وتخويف وبيان لاقتداره" إن لم يتقوا ولم يشكروا. قال صاحب "النهاية": يقال: وكل فلان فلاناً: إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه، والوكيل في أسماء الله تعالى: هو القيم والكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته أنه يستقل بالأمر الموكول إليه.
قال القاضي:{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} راجع إلى قوله: {يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ}[النساء: ١٣]، فإنه تعالى توكل بكفايتهما، وما بينهما تقرير لذلك.
وقلتُ: ليس بذاك؛ لأن الآيات على ما سبق في بيان التوصية في التقوى والتمسك بالتوحيد، والاشتغال بالعبادة وكلة الأمور إلى موكلها والعزوف عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، وغير ذلك من الفنون المختلفة إلى خاتمة السورة، وكل من القرائن تذييل لما ذيل به ما مر، تعم الكل، تقرير لما سبق من مفتتح السورة.