الكفر. (إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ) يعني: القاعدين والمقعود معهم. فإن قلت: الضمير في قوله: (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ) إلى من يرجع؟ قلت: إلى من دل عليه (يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها)، كأنه قيل: فلا تقعدوا مع الكافرين بها والمستهزئين بها. فإن قلت: لم يكونوا مثلهم بالمجالسة إليهم في وقت الخوض؟ قلت: لأنهم إذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين، والراضي بالكفر كافر. فإن قلت: فهلا كان المسلمون بمكة حين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين منافقين! قلت: لأنهم كانوا لا ينكرون
كان، وقوله:{إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} تعليل للنهي؛ يعني: لا تقعدوا مع هؤلاء لأنكم إن قعدتم معهم تكونوا مثلهم كافرين؛ فعلى هذا في تفسيره إشكال؛ لأن هذا الاتصال يقتضي ألا يكون المخاطبون بقوله:{إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} المنافقين؛ لأن الذين نُهوا عن مجالسة المشركين بمكة عند خوضهم في القرآن واستهزائهم لم يكونوا منافقين؛ لأن نجم النفاق إنما ظهر بالمدينة وغلبتهم كانوا يهوداً كما عُلم من كتابه، وقوله:"كان الذين يُقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار هم المنافقون، فقيل لهم: إنكم مثلهم" يستدعي أن يكونوا منافقين لا غير، بشهادة إيقاع "هم المنافقون" خبر كان، و"هم": ضمير فصل أو تأكيد، والوجه أن يكون الخطاب بقوله:{إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} مع المسلمين الذين كانوا يُقاعدون المشركين بمكة، ويُقاعدون المنافقين بالمدينة، وتشبيههم بالمنافقين للتغليظ والزجر والتوبيخ، وأن يراد بقوله:{جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ} الخائضون بالمدينة ومكة من المنافقين والكافرين، ويؤيد هذا التقرير قول الواحدي: وكان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود فيسخرون من القرآن؛ فنهى الله المسلمين عن مجالستهم. وكذلك قول المصنف:"قيل: وذلك أن المشركين كانوا يخوضون" إلى آخره، وقال القاضي:{إِذاً} ملغاة لوقوعها بين الاسم والخبر؛ ولذلك لم يذكر بعدها الفعل.
قوله:(فهلا كان المسلمون بمكة) إلى قوله: (منافقين) الظاهر أن تفسيره لقوله: {جَامِعُ