للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل: ٦٥]. ثم حث على العفو، وأن لا يجهر أحد لأحد بسوء وإن كان على وجه الانتصار بعد ما أطلق الجهر به، وجعله محبوباً، حثاً على الأحب إليه، والأفضل عنده، والأدخل في الكرم والتخشع والعبودية. وذكر إبداء الخير وإخفاءه؛ تشبيباً للعفو، ثم عطفه عليهما؛ اعتداداً به وتنبيهاً على منزلته،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وذكر إبداء الخير) عطف على قوله: "حث على العفو"، وقوله: "بعدما أطلق" ظرف "حث"، والمراد بقوله: "أطلق الجهر به" إباحته على المظلوم، وبقوله: "جعله محبوباً" استثناؤه من قوله: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ}، يعني: لما أراد أن يحُث الناس على العفو بعدما أباح الجهر وجعله محبوباً ذكر إبداء الخير وإخفاءه وجعله توطئة وتمهيداً لذكر العفو، ثم عطف العفو عليهما لأجل الحث على الأحب والأفضل عنده.

قوله: (تشبيباً) أي: توطئة وتمهيداً من تشبيب القصيدة، وهو تزيينها بما يتقدم على التخلص إلى المدح من التغزل. الأساس: قصيدة حسنة الشباب، وهو التشبيب، وشبب قصيدته بفلانة. يريد أن إيقاع قوله: {إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ} توطئة وتمهيداً لذكر العفو على طريقة قوله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: ٦٢] بمعنى: رسوله أحق أن رضوه، وذكر الله للدلالة على مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى دلالة على أن للعفو مكاناً وسيطاً في معنى العزم على الخير وفعله، ويدل على أن إبداء الخير وإخفاءه توطئة، وأن معنى العفو هو المقصود بالذكر بصريح العفو في الجزاء ليرتبط الجزاء بالشرط، وفيه التنبيه على التخلق بأخلاق الله تعالى والترجي لعفو الله، يعني: جعل لكم العفو مع المقدرة شعاراً لأنفسكم سبباً لأن تنبهوا على أن الله يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام فيعفو عنكم ما انفرط منكم فتحتاجون إلى عفوه. ولقد ألم به قوله صلوات الله عليه وسلامه لأبي مسعود الأنصاري حين ضرب غلامه: "لله أقدر عليك منك على هذا الغلام" الحديث، أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي.

<<  <  ج: ص:  >  >>