قوله:(فظنوا فذاك) وهو عطف على "إن لاحت"، "فذاك": جواب للشرط، أي: فذاك هو الظن، يريد أنهم من الشاكين الذين لا يترجح لهم أحد الجائزين قط لكن يحصل لهم أحياناً بما يلوح لهم من الأمارة والترجح بزعمهم، ثم إذا خفت الأمارة عادوا إلى التردد، وهذه الحالة أبلغ في التحير من مجرد الشك، وإليه الإشارة بقوله:"فذاك" الرجحان، أي: ليس برجحان لأنه لا ينقذهم من ورطة الشك إلا مزيد التحير، فقوله:{مِنْ عِلْمٍ} مبتدأ و {مِنْ}: زائدة لتأكيد النفي، والظرف المقدم خبر، و {بِهِِ}: حالٌ من الضمير المستكن في الظرف.
وقيل يحتمل أن يكون التقدير: إنهم لفي شك في جميع الأوقات إلا وقت اتباع الظن؛ لظهور الأمارة إن لاحت لهمن وما لهم من علم قط، ويكون الاستثناء متصلاً مفرغاً. وقدم قوله:{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} على الاستثناء لأن المقصود من هذا الكلام نفي العلم عنهم.
وقلتُ: هذا مبنيٌّ على جواز الاستثناء المفرغ في الكلام الموجب، نحو: قرأت إلا يوم كذا، ومنعه المصنف في سورة الأنبياء حيث قال:"إن أعمَّ العام يصح نفيه ولا يصح إيجابه"، وقالوا: يجوز أن يقال: ما في الدار أحدٌ إلا زيدٌ، ولا يصح: كان في الدار إلا زيداً، أي: في الدار جميع الأشياء إلا زيدٌ، وقال في "التوبة" في قوله تعالى: {وَيَابَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}[التوبة: ٣٢]: "كيف جاز أبي الله إلا كذا، ولا يقال كرهت أو أبغضت إلا زيداً؟ وأجاب: قد أجرى "أبي" مُجرى "لم يُرد" لكونه مقابلاً لقوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ} " على أن المقام لا يقتضي إلا ما ذهب إليه المصنف كما شرحنا كلامه من إثبات الشك على التحقيق والمبالغة فيه؛ وذلك لمجيء إن واللام وتخصيص ذكر الاتباع، فإذا لم يرد بقوله:{إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} المبالغة، فلم لم يقتصر على الظن ولم يقل: وما لهم بذلك من علم إلا الظن ولم يكتف في التفسير بقوله: "وإن لاحت لهم أمارة فظنوا" وأطنب بقوله: "فذاك"؟