(وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً): وما قتلوه قتلاً يقيناً، أو ما قتلوه متيقنين كما ادّعوا ذلك في قولهم (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ). أو يجعل (يَقِيناً) تأكيداً لقوله: (وَما قَتَلُوهُ)، كقولك: ما قتلوه حقاً، أي: حق انتفاء قتله حقاً. وقيل: هو من قولهم: قتلت الشيء علماً ونحرته علماً إذا تبلغ فيه علمك، وفيه تهكم، لأنه إذا نُفي عنهم العلم نفياً كلياً بحرف الاستغراق، ثم قيل: وما علموه علم يقينٍ وإحاطة - لم يكن إلا تهكماً بهم.
قوله:(أو يُجعل {يَقِيناً} تأكيداً) عطفٌ على قوله: "ما قتلوه قتلاً يقيناً"، يعني:{يَقِيناً} يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف، وأن يكون حالاً، وعلى التقديرين يعود المعنى إلى عدم تعين القتل منهم، قال الإمام: يعني أنهم شاكون في أنه هل قتلوه؟ ثُم أكد ذلك بأنهم قتلوا ذلك الشخص الذي قتلوه لا على يقين أنه عيسى؛ بل حين قتلوه كانوا شاكين في أنه هل هو عيسى أم لا؟ ويجوز أن يكون تأكيداً لقوله:"ما قتلوه" فيعودُ المعنى إلى تعيُّنِ عدم القتل. قال الإمام: أخبر الله تعالى أنهم شاكون في أنه هل قتلوه يقيناً؟ ثم أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بأن اليقين حاصلٌ في أنهم ما قتلوه، وهذا الاحتمال أولى من الأول لقوله:{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}؛ لأنه إنما يصح هذا الإضراب إذا تقدم القطع واليقين بعدم القتل. وأما قول المصنف:"لم يكن إلا تهكماً" فمعناه: أن الله تعالى إذا نفى عنهم علم إحاطة؛ لزم بالمفهوم إثبات نوع من العلم، فلا يستقيم هذا مع قوله:{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ}، إلا بأن يقال: إن هذا منفي أيضاً بالتهكم، فحينئذ يتكرر انتفاء العلم عنهم فيكون التكرير لتعليق قوله:{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} به.
قوله:(قتلت الشيء علماً). قال الزجاج: تقول: أنا أقتل الشيء علماً، أي: أعلمه علماً. الأساس: ومن المجاز: قتلته علماً وخُبراً، ومنه: قتلت الخمرة، أي: مزجتها.