فإن قلت: لم أفرد "النور"؟ قلت: للقصد إلى الجنس، كقوله تعالى:(وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها)[الحاقة: ١٧]، أو لأن الظلمات كثيرة، لأنه ما من جنسٍ من أجناس الأجرام إلا وله ظل، وظله هو الظلمة، بخلاف النور فإنه من جنس واحدٍ وهو النار.
قوله:(للقصد إلى الجنس)، أي: على ما يعرف كل أحدٍ أن النور ما هو، وهو الكيفية الفائضة من نحو النيرين على الأجرام الكثيفة المحاذية له. وهو وإن كان مفرداً في اللفظ، لكنه متكثر بحسب حصوله في مطارحه، كالظلمات. ومن ثم أفرد "الملك"، مع تعدد المتنزلات، في قوله: {والْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا {[الحاقة: ١٧]. ونحوه قول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
لم يرد لئيماً واحداً في زمانٍ واحد، بل لئاماً لا تنحصر في أزمنة لا تحصى، لأنه يصف نفسه بالحلم والأناة، وأنه دأبه وعادته.
قوله: {والْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا {[الحاقة: ١٧]، أي: جنس الملك على جوانب أفق السماء.
قوله:(أو لأن الظلمات كثيرة) إلى قوله: (بخلاف النور)، يعني: جمع {الظُّلُمَاتِ {لكثرة أسبابها، والأجرام الحاملة لها، وأفرد "النور" لإفراد سببه، وهو النار، كما قال:"فإنه من جنسٍ واحد".
لكن أسباب النور أيضًا غير واحد، فإن النيرين والكواكب، وغيرها، أسباب شتى.
وكذلك قال صاحب "التقريب": "والظلمة أكثر، إذ لكل جرمٍ ظلمة، وليس لكل جرمٍ نور، بل لكل نير".
وقال الإمام:"إن النور هاهنا عبارة عن تلك الكيفية الكاملة القوية، ثم إنها تقبل السواد قليلاً قليلاً، وهي لها مراتب كثيرة؛ فلهذا عبر عن "الظلمات" بصيغة الجمع".