وروى الإمام عن الواحدي، عن ابن عباس:"الظلمات: ظلمة الشرك، والنفاق، والكفر. والنور: نور الإسلام".
ونحوه على الحسن.
وقال الإمام:"حمل اللفظ على الوجه الأول أولى؛ لأن النور والظلمة حقيقتان في هاتين الكفيفيتين المحسوستين، ولأنهما إذا قرنتا بذكر السماوات والأرض، لا يفهم منهما غير ذلك".
قلت: والذي ينصر مذهب الحبر ابن عباس رضي الله عنه الاستعمال والنظم، أما الاستعمال: فإنه تعالى كلما ذكر لفظ "الظلمات" جمعاً، و"النور" مفرداً، أراد الضلالات والهداية. فمن ذلك قوله تعالى: {اللَّهُ ولِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ والَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إلَى الظُّلُمَاتِ {[البقرة: ٢٥٧].
وقوله: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وجَعَلْنَا لَهُ نُورًا {، إلى قوله: {كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا {[الأنعام: ١٢٢]. وقال تعالى: {الّر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ {[إبراهيم: ١]، إلى غير ذلك.
وقال القاضي:"الهدى واحد، والضلال متعدد"، قال تعالى: {وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ {[الأنعام: ١٥٣].
الراغب: "النور: يعبر به عن العلم والإيمان. والظلمة: عن ضديهما. ووجه ذلك أنه لما كان للإنسان بصران: الحاسة التي في الرأس، والبصيرة [التي] في القلب، فكما أن البصر لا يستغني في إدراك ما يدركه عن ضوء، كذلك البصيرة لا تستغني عن نور التوفيق والإيمان. ويقال لفقد البصرين: عمىً، ولفقدان النورين: ظلمة. وأعظمهما ضرراً فقد البصيرة. ولهذا