فإن قلت: علام عطف قوله: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)؟ قلت: إما على قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ)، على معنى: أن الله حقيقٌ بالحمد على ما خلق؛ لأنه ما خلقه إلا نعمة، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكافرون نعمته، وإما على قوله (خَلَقَ السَّماواتِ)
وقال الإمام: (إنما قدم الظلمات على النور، لأن عدم المحدثات متقدم على وجودها. جاء في الحديث: أن الله تعالى خلق الخلق في ظلمةٍ، ثم رش عليهم من نوره".
وقلت: الحديث من رواية الإمام أحمد بن حنبل، والترمذي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل خلق الخلق في ظلمةٍ، ثم ألقى عليهم من نوره يومئذٍ، فمن أصابه من نوره اهتدى، ومن أخطأه ضل". وفي رواية الترمذي: "فلذلك أقول: جف القلم بما هو كائن".
قوله: (وإما على قوله: {خَلْقِ السَّمَوَاتِ {. يعني أن الكفر يصح أن يحمل على معنى الشرك تارة، وعلى كفران النعمة أخرى، ويحسب هذين المعنيين يدور معنى {يَعْدِلُونَ {على هذا من العدول، والباء صلة {كَفَرُوا {على حذف المضاف، أي: كفروا بنعمة ربهم، وإليه الإشارة بقوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا {به، أي: بالله {يَعْدِلُونَ {عن الحق، فيكفرون نعمته.
وفي قوله: "إن الله حقيق بالحمد على ما خلق" معنى ترتب الحكم على الوصف. وإنما ترك متعلق {يَعْدِلُونَ {على هذا ليقع الإنكار على نفس الفعل، وحقيقة العدول.