فإن قلت: كيف موقع قوله: (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ)؟ قلت: إن أردت المتوحد بالإلهية كان تقريراً له؛ لأن الذي استوى في علمه السر والعلانية هو الله وحده، وكذلك إذا جعلت (في السموات) خبراً بعد خبر، وإلا فهو كلام مبتدأ؛ بمعنى: هو يعلم سركم وجهركم، أو خبر ثالث.
(وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) من الخير والشر، ويثبت عليه، ويعاقب.
(مِنْ) في (مِنْ آيَةٍ) للاستغراق، وفي (مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) للتبعيض، يعني: وما يظهر لهم دليلٌ قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال والاعتبار، ....
قوله:(وإلا فهو كلام مبتدأ)، أي: وإن لم يرد بقوله تعالى: {وهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ {[الأنعام: ٣] المتوحد بالإلهية فيها، وأنه الله، ولا أنه عالم بما فيها، فكان كلاماً مبتدأ مستأنفاً، لأنه على التقديرين تأكيد وتقرير لمعناهما، كما قرره، بقي أن يراد: هو المعبود فيها، أو هو المعروف، أو هو الذي يقال له: الله فيها. فهو على هذه الوجوه استئناف.
وبيان السؤال على الأول أنه لما قيل: هو المعبود فيها، اتجه لسائلٍ أن يسأل: فما شأنه مع عابده حينئذ؟ فأجيب: يعلم سرهم وجهرهم، ويعلم ما يكسبون، فيجازيهم على أعمالهم: إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وعلى الثاني والثالث: السؤال: بماذا عرف فيهما؟ وما وصفه فيهما؟ فقيل: وصفه فيهما بالعلم الشامل الكلي والجزئي، كما سبق في آخر "المائدة"، في قوله تعالى: {إنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ {[المائدة: ١٠٩]. قال المصنف:" (علام الغيوب) قرئ بالنصب على أن الكلام قد تم بقوله: {إنَّكَ أَنتَ {، أي: إنك موصوف بأوصافك المعروفة من العلم وغيره".