لما فعلنا نحن ولا آباؤنا. أرادوا بذلك أنهم على الحق المشروع المرضي عند الله، لا الاعتذار عن ارتكاب هذه القبائح بإرادة الله إياها منهم، حتى ينهض ذمهم به دليلاً للمعتزلة".
وقلت: وأما مقتضي النظم: فهو أن الله تعالى من ابتداء قوله: (وجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الجِنَّ)[الأنعام: ١٠٠]، وقوله:(ومَا لَكُمْ أَلاَّ تَاكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)[الأنعام: ١١٩] وهلم جراً، إلى آخر الآيات المتعلقة بأمر الأنعام، يحتج عليهم في اتخاذهم شركاء لله من الجن والملائكة، وينعي عليهم سوء صنيعهم في تحريم البحائر والسوائب، ويعلم نبيه صلي الله عليه وسلم طريقة الرد عليهم بقوله:(قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا)[الأنعام: ١٤٥].
وحين لم تجد معهم الآيات والنذر، أخذ يسليه صلي الله عليه وسلم مما قاسي من تكذيبهم، بقوله:(فَإن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ)[الأنعام: ١٤٧] وبقوله: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) إلى قوله: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ)، أي: لا تتهاون في الإنذار والاحتجاج، ولا تبال بقولهم:(لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ولا آبَاؤُنَا)، فإنه دأبهم، ودأب من سلف من أمثالهم عند إلزامهم، لأن ديدن المحجوج، إذا لم يبق له حجة يتمسك بهأ، التشبث بأمثال هذا، فإنهم إذا تفكروا في الأمر، ورأوا أن الحجة قد لزمتهم، وتيقنوا بطلان مذهبهم، لابد أن يقولوا:(لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ولا آبَاؤُنَا).
ونحوه ما روينا عن البخاري ومسلم، عن الحسين بن علي عليهما السلام، أن عليا أخبره: أن النبي صلي الله عليه وسلم طرقه ليلاً وفاطمة، فقال: "ألا تصليان؟ "، قال على: فقلت: يا رسول الله، إن أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قلت له ذلك، ولم يرجع