للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ): ولا يفوّضون أمورهم إلى غير ربهم، لا يخشون ولا يرجون إلا إياه.

جمع بين أعمال القلوب من الخشية والإخلاص والتوكل، وبين أعمال الجوارح من الصلاة والصدقة. (حَقًّا) صفة للمصدر المحذوف، أي: أولئك هم المؤمنون إيماناً حقّاً، أو هو مصدر مؤكد للجملة التي هي (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ) كقولك: هو عبد الله حقا، أي حقَّ ذلك حقا.

وعن الحسن: أنّ رجلاً سأله: أمؤمن أنت؟ قال: الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب، فأنا مؤمن. وإن كنت تسألني عن قوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) فو الله لا أدرى؛ أمنهم أنا أم لا؟ وعن الثوري: "من زعم أنه مؤمن بالله حقاً، ثم لم يشهد أنه من أهل الجنة، فقد آمن بنصف الآية". وهذا إلزام منه، يعنى: كما لا يقطع بأنه من أهل ثواب المؤمنين حقا، فلا يقطع بأنه مؤمن حقاً، وبهذا تعلق من يستثنني في الإيمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وبهذا تعلق من يستثني): أي: بإلزام الثوري تمسك من يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وبيانه: أنه تعالى عقب اسم الإشارة بقوله: (هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً)، وبقوله: (لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الآية، بعد إجراء الوصاف الفاضلة على المؤمنين، فيلزم أن يكونا حقين ثابتين للمؤمنين، لاتصافهم بتلك الفضائل، وقد تقرر أن اسم الإشارة في مثل هذا المقام مؤذن بأن ما يرد عقيبه: المذكورون قبله أهل لاكتسابه من أجل الخصال التي عُددت، لا سيما على الحصر، فكأنهما معللان معاً لتلك الصفات الجارية على الموصوف، فلا يفارقانه أبداً.

وقد تقرر - بل أجمع عليه - أن أحداً من المسلمين بعد العشرة المبشرة لا يقدر أن يقطع

<<  <  ج: ص:  >  >>