وذلك أنّ الأوّل تمييز بين الإرادتين، وهذا بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم ونصرتهم عليها، وأنه ما نصرهم ولا خذل أولئك، إلا لهذا الغرض الذي هو سيد الأغراض. ويجب أن يقدّر المحذوف متأخراً حتى يفيد معنى الاختصاص، وينطبق عليه المعنى. وقيل: قد تعلق بـ" يقطع".
[(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) ٩] فإن قلت: بم يتعلق (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ)؟ قلت: هو بدل من (إِذْ يَعِدُكُمُ)[الأنفال: ٧]،
إرادة الله لينطبق عليه المعنى، ولا يحصل ذلك غلا بتأخير المقدر، وكان أصل الكلام: تودون أن العير تكون لكم، ويريد الله ملاقاة النفير، ففعل الله تعالى ما أراده دون ما أردتم أنتم. فوضع (أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ) موضع "ملاقاة النفير" للدلالة على حصول الفوز في الدارين، ثم وضع موضع "ففعل الله تعالى ما أراده دون ما أردتم" قوله: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ)، مع إرادة المحذوف متأخراً للدلالة على تعظيم ذلك الفعل.
وإلى الأول الإشارة بقوله:"وما يرجع إلى عمارة الدين، ونُصرة الحق، وعلو الكلمة، والفوز في الدارين"، وإلى الثاني الإشارة بقوله:"وأنه ما نصرهم، ولا خذل أولئك، إلا لهذا الغرض الذي هو سيد الأغراض".
وفي وضع "تودون" موضع "تريدون"، لكونه مقابلاً لقوله:(وَيُرِيدُ اللَّهُ): إيذان ببطلان إرادتهم، وفي إيثار (غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ) على "العير": إيماء إلى جُبنهم وخورهم، وإنما ترك الفاء في جملة قوله:(يُحِقَّ الْحَقَّ) مع معلله كما في المثال، ليكون الاتصال استئنافاً.
قوله:(فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم، ونصرتهم عليها، وأنه ما نصرهم): "من" بيان "ما فعل"، و"أنه" عطف على "غرضه"، أي: هذا بيان لأن ما نصرهم ولا خذل أولئك إلا لهذا الغرض.