أو اعملوا متمكنين من عداوتي مطيقين لها (إِنِّي عامِلٌ) على حسب ما يؤتيني الله من النصرة والتأييد ويمكنني (مَنْ يَاتِيهِ) يجوز أن تكون "مَنْ" استفهامية معلقة لفعل العلم عن عمله فيها، كأنه قيل: سوف تعلمون أينا يأتيه عذاب يخزيه، وأينا هو كاذب، وأن تكون موصولة قد عمل فيها، كأنه قيل: سوف تعلمون الشقيّ الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب.
فإن قلت: أي: فرق بين إدخال الفاء ونزعها في (سَوْفَ تَعْلَمُونَ)؟ قلت: إدخال الفاء: وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل، ونزعها: وصل خفي تقديريّ بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدّر، كأنهم قالوا: فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت؟ فقال: سوف تعلمون، فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف، للتفنن في البلاغة كما هو عادة بلغاء العرب، وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف، وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه.
وهجيراه، قال في آخر الأنعام:"اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها، يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حاله: على مكانتك يا فلان".
قوله:(الاستئناف، وهو باب من أبواب علم البيان، تتكاثر محاسنه): قال صاحب "المفتاح": "الاستئناف لا يصار إليه إلا لجهات لطيفة؛ إما لتنبيه السامع على موقعه، أو لإغنائه أن يسأل، أو لئلا يسمع منه شيء، أو لئلا يقطع كلامك بكلامه، أو للقصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ، وهو تقدير السؤال وترك العاطف، أو غير ذلك".