قوله:(لا، ولكن قوله: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)): دل هذا القول على أنها كلمة جامعة، قال الإمام:"هي جامعة لكل ما يتعلق بالعقائد والأعمال، ولاشك أن البقاء على الاستقامة الحقيقية مشكل جداً، وأنا أضرب لك مثالاً يقرب صعوبة هذا المعنى؛ الخط الذي يفصل بين الظل والضوء جزء واحد لا يقبل القسمة في العرض، فإذا قرب طرف الظل من طرف الضوء اشتبه في الحس، ولم يقو الحس على إدراك ذلك الخط، فالاستقامة بجميع أبواب العبودية كذلك، فأولها: معرفة الله، وتحصيل هذه المعرفة على وجه يبقي العقل مصوناً في طرف الإثبات عن التشبيه، وفي طرف النفي عن التعطيل، في غاية الصعوبة، واعتبر سائر مقامات المعرفة وسائر الأخلاق على هذا، فالقوة الغضبية والشهوانية حصل لكل واحد منهما طرفا إفراط وتفريط، وهما مذمومان، والفاصل هو المتوسط بينهما بحيث لا يميل إلى أحد الجانبين، والوقوف عليه صعب، ثم العمل به أصعب".
وقس على هذا الشجاعة والسخاوة والعفة، على هذا ينظر قول المصنف:"فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادة الحق، غير عادل عنها"، وهذا لا يكون إلا بالافتقار إلى الله تعالى، ونفي الحول والقوة عن النفس بالكلية، فينطبق عليه قول الصادق:"افتقر إلى الله تعالى بصحة العزم".
روى السلمي عن بعضهم: من يطيق مثل هذه المخاطبة بالاستقامة، إلا من أيد بالمشاهدات القوية، والأنوار البينة، والآثار الصادقة، ثم عصم بالتثبيت، (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ