(قَوْماً صالِحِينَ) تائبين إلى الله مما جنيتم عليه. أو يصلح ما بينكم وبين أبيكم بعذر تمهدونه. أو تصلح دنياكم وتنتظم أموركم بعده بخلوّ وجه أبيكم. و (تَكُونُوا) إمّا مجزوم عطفاً على (يَخْلُ لَكُمْ) أو منصوب بإضمار "أن" والواو بمعنى "مع"، كقوله (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ)[البقرة: ٤٢].
وعلى التقادير: التركيب من باب الكناية؛ أما بيان الوجه الأول- وهو أن يراد بـ "الوجه" الجارحة-: فإن من أقبل على الشيء بوجهه لا يلتفت إلى الغير، وملزوم ذلك إخلاص المحبة له، وإليه الإشارة بقوله:"والمراد سلامة محبته لهم، وإلى معنى الكناية أشار بقوله: "وكان ذكر "الوجه" لتصوير معنى إقباله عليهم"، وهو كما إذا عبرت عن جود زيد بقولك: "هو كثير الرماد"، وإذا أريد بـ "الوجه" الذات، ويكون كناية عن المحبة، فالأمر على هذا.
وأما بيان الوجه الثاني: فإن من تخلى بذاته كله إلى الشيء تفرغ له من الشغل بالغير، وهذا لا يوجب المحبة، وعليه قوله تعالى:(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ)[الرحمن: ٣١]، قال المصنف: "هو من قول الرجل لمن يهدده: سأفرغ لك؛ يريد: سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنه، حتى لا يكون لي شغل سواه"، والمراد في هذا المقام التوفر على إصلاح أمورهم وانتظام أحوالهم.
قوله:(أو: تصلح دنياكم)، عطف على "تائبين إلى الله"، لأن المراد بـ "الصلاح": إما الديني وإما الدنيوي، والديني: إما التوبة إلى الله تعالى أو التحري إلى رضا الوالد، لأنه أيضاً موجب رضا الله.
قوله:(كقوله: (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ))، يريد قوله تعالى: (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ