قوله:(كقوله تعالى: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)[هود: ٨٦]، قال المصنف فيه:"ما يبقى لكم من الحلال بعد التنزه عما هو حرامٌ خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين"، ووجه الشبه أن المتقي إنما يكون متقيا إذا أشرف على محارم الله تعالى ولا يهتك حرمته فيها، كما أن المؤمن إنما يكمل إيمانه إذا اعتقد أن القليل من الحلال خيرٌ من الكثير من الحرام، وفائدة هذا الأسلوب: الانزجار على الوجه الأبلغ، ولا يُسلك إلا بمن يدعي أنه متصفٌ بتلك الصفة، وهو غالٍ فيها، ومن ثم روى البخاري، عن أبي وائل، قال: علمت مريم أن التقي ذو نهية حين قالت: (إِنْ كُنتَ تَقِيّاً). ذو نُهية، أي ذو عقل، وقال محيي السنة: هذا كقول القائل: إن كنت مؤمناً فلا تظلمني، أي: ينبغي أن يكون إيمانُك مانعاً من الظُّلم.
وقلت: مثاله في الشاهد قولك لمن تخاف غائلته وتعرفُ أنه ممن يتقي سطوات الملك العادل: أنا أستجير منك إلى الملك العادل إن كنت تتقي سطواته، فإذا بلغ تماديه في الغي إلى انه لا يرتدع بمثل هذا الرادع، قلت للملك العادل: أنا ألوذ إليك وأستجير بكنفك من معرة فلان، فقولها:(وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)[آل عمران: ٣٦] من هذا المقام.