معناه: أن الأصل أمن، فحذف حرف الاستفهام واستمرّ الاستعمال على حذفه، كما حذف من "هل"، والأصل: أهل. قال:
أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم؟
فإذا أدخلت حرف الجرّ على "مَن" فقدّر الهمزة قبل حرف الجرّ في ضميرك، كأنك تقول:
أعلى من تنزّل الشياطين، كقولك: أعلى زيد مررت. فإن قلت:(يُلْقُونَ) ما محله؟ قلت:
يجوز أن يكون في محل النصب على الحال، أي: تنزل ملقين السمع، وفي محل الجرّ صفة لـ (كُلِّ أَفَّاكٍ)، لأنه في معنى الجمع، وأن لا يكون له محل بأن يستأنف، كأن قائلا قال: لم تنزل على الأفاكين؟ فقيل: يفعلون كيت وكيت. فإن قلت: كيف قيل: (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) بعد ما قضي عليهم أن كل واحد منهم أفاك؟ قلت:
يربوعٌ: أبو حيٍّ من تميم، بشدتنا، بفتح الشين: حملتنا وصدمتنا. وقد شد عليه في الحرب يشد شداً، ويروى بكسرها، أي: قوتنا، وسفح الجبل: أسفله، والقاع: المستوي من الأرض، والأكمة: التل، والجمع: آكامٌ وأكمٌ، ولا يجوز أن يجعل "هل" للاستفهام، لأن حرف الاستفهام لا يدخل على حرف الاستفهام.
قوله: (فإذا أدخلت حرف الجر على "من" فقدر الهمزة قبل حرف الجر)، قال صاحب "الفرائد": يشكل ما ذكر بقولهم: من أين أنت ومن أين جئت؟ وقوله تعالى:{مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}، وقولهم: فيم، وبم، ومم، وحتام، ونحوها. ويمكن أن يقال: لا اعتبار لتقدم حرف الجر، وقولهم: له صدر الكلام المراد: تقدمه على ما كان، وكذا في الكلام، كقولك: أين زيدٌ، لا يجوز أن تقول: زيدٌ أين، أو مفعولاً من المفاعيل، كقولك: أزيداً ضربت، ولا تقول: ضربت زيداً، ولا: ضربت متى، ولا: ضربت أين؟