للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجعل دخول كل شيء تحت ربوبيته وملكوته كالتابع لدخولها تحتهما، وفي ذلك إشارة إلى أن ملكا ملك مثل هذه البلدة لعظيم الشأن قد ملكها وملك إليها كل شيء. اللهم بارك لنا في سكناها، وآمنا فيها شرّ كل ذي شرّ، ولا تنقلنا من جوار بيتك إلا إلى دار رحمتك. وقرئ: "التي حرّمها"، و "اتل عليهم هذا القرآن": عن أبىي (وَأَنْ أَتْلُوا): عن ابن مسعود. (فَمَنِ اهْتَدى) باتباعه إياى فيما أنا بصدده من توحيد الله ونفي الأنداد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وجعل دخول كل شيءٍ تحت ربوبيته وملكوته كالتابع لدخولها تحتهما)، يعني: أضاف الرب إلى البلدة إضافة تمليكٍ، وهو بمعنى: مالك، ثم عقب ذلك بقوله: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} على وجه التتميم، ليؤذن بالفرق بين الملكين، وأن أحدهما كالتابع، والآخر كالمتبوع.

قوله: (وفي ذلك إشارة)، أي: في وصف ذاته عز وجل بالتحريم الذي هو وصفٌ خاصٌ للبلدة، وجعل كل الأشياء تابعًا لها في الملكية إشعارٌ بأن مالكها عظيم الشأن، قاهر السلطان، يرفع من مرتبة ما أراد رفعته، ويحط من منزلة ما أراد حطه، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قديرٌ.

قوله: ({فَمَنِ اهْتَدَى} بإتباعه)، يريد أن "اهتدى" مطلقٌ غير مقيدٍ، بشيءٍ، وقد ذرك هذه الخلال الأربع، فوجب تقيده بها.

واعلم أن هذه خاتمةٌ شريفةٌ واردةٌ على نمطٍ غريبٍ، وترتيبٍ أنيقٍ.

قال القاضي: أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم ذلك بعدما بين المبدأ والمعاد، وشرح أحوال القيامة إشعارًا بأنه قد أتم الدعوة فكملت وما عليه بعد إلا الاشتغال بشأنه، والاستغراق بعبادة ربه. يريد أن هذه الخاتمة كالمتاركة للمشركين.

ولعمري إنها من الخاتمة التي تدهش العقول، وتحير الأفهام، فإنه تعالى لما ختم الآيات الواردة في أمر البعث والحشر على أتم ما ينبغي بقوله: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>