للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحَزَنًا، وقالتِ امرأةُ فرعونَ كذا، وهم لا يشعرُونَ أنَّهم على خطأٍ عظيمٍ في التقاطِه ورجاءِ النَّفعِ منه وتبنِّيه.

وقولُه: {إِنَّ فِرْعَوْنَ} الآية: جملةٌ اعتراضيّةٌ بينَ المعطوفِ والمعطوفِ عليه، مُؤَكِّدةٌ لمعنى خطئِهِم. وما أحسنَ نظمَ هذا الكلام عندَ المُرتاضِ بعلمِ محاسنِ النَّظْم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنّ الضميرَ للناس؛ أي: وهُمْ لا يشعرونَ أنّه لغيرِنا وقد تَبَنّيْناه.

قولُه: (وما أحسَنَ [نَظْم] هذا الكلامِ عندَ المُرتاضِ بعلمِ محاسنِ النظم)، وذلكَ أنّ قولَه: {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي اَلْأَرْضِ} وقولَه: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ} تفصيلٌ لقولِه: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ} على ما سَبق. وما أجمَلَ ثم فَصّلَ وخَصّ بلفظِ الإنباءِ إلا لاشتمالِ هذا المُنبّأِ بهِ لهُ شأنٌ، وليسَ ذلكَ إلا لبيانِ أنّ ما قدّرَه الله كائنٌ لا محالة، وأنّ الحَذَرَ لا يُغنيِ عَنِ القَدَر، وإذا جاءَ القضاءَ عَمِيَ البَصَر؛ فإنّ فرعونَ وقومَه لَمّا قُضِيَ هلاكُهُم على يَدِ الكليمِ عليه السلامُ واجتهدوا في الدفعِ، فَعَلوا ما لا طائلَ تَحتَه بلْ عَكَسُوا؛ حيثُ أُفنِيَ البريءُ مِنْ قَتْلِ الأبناء، ورُبِّيَ مَنْ عليه دمارُه؛ فسُلِبَتْ عقولُهم وأيفت مشاعرُهم؛ فالتقطوه ليكونَ لهم عدوًّا وحزنًا وهُمْ لا يشعرون. فحَسُنَ لذلكَ أنْ يؤكِّدَ بقولِه: {إنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} على التفصيل؛ ليؤذِنَ بأنّ ذلكَ الجَمّ الغفيرَ بعدَ ذلكَ التحذيرِ زَلُّوا عن دَفْعِ التقدير؛ فاللامُ في قولهِ: {ليَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} مُجْرَى على حقيقتِه.

وتمامُ تقريرِه أنْ يُقال: إنّا أرَدْنا أنْ نَمُنّ على المستضعَفين، وأنْ نجعَلَهُمُ الوارثين، وأنْ نُرِيَ فرعونَ وهامانَ وجنودَهما ما كانوا يحذَرُون؛ دبّرْنا ما دبّرْنا {أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ}، فامتَثَلَتْ أمْرَنا وألقَتْهُ في اليَمّ وألقاهُ اليمُّ بالساحِل؛ فقَضَيْنا على آلِ فرعونَ التقاطَه؛ ليَظْهَرَ مِنْ لطِيفِ تقديرِنا عداوتُهُ وسَبَبُ حُزْنِه، وهُمْ لا يشعرونَ بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>