للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد أخلي الكلام أوّلًا عن ذكرهما. وقوله: (وكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) تعظيم للمؤمنين، ورفع من شأنهم، وتأهيل لكرامة سنية، وإظهار لفضل سابقة ومزية؛ حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم، مستوجبين عليه أن يظهرهم ويظفرهم، وقد يوقف على (حقًّا)، ومعناه: وكان الانتقام منهم حقًا، ثم يبتدأ: (علَيْنا نَصْرُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وثانيها: قوله: {فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا}، صرَّح فيه ذكر المجرمين، وأَدرج فيه ذِكْر المؤمنين، لأنَّ المُراد: انتقمنا للَّذين آمنوا من الذين أجرموا.

وثالثها: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} صرَّح بذكر المؤمنين، وأدرج ذكر المكذبين؛ لأنَّ المعنى: كان حقًّا علينا نصرُ المؤمنين على الكافرين، وإليه الإشارةُ بقوله: ((أدرجَ تحتَ ذِكْر الانتصارِ والنَّصر ذِكْر الفريقين))، صرَّح في الانتقام بذِكْر المجرمينَ، وفي النَّصر بذِكْر المؤمنين تعظيمًا للمؤمنين وازدراءً بالمكذِّبين، ورَفْعًا لشأن أولئك، وحَطًّا من منزلة هؤلاء، والله أعلم.

قوله: (وقد يُوقَفُ على {حَقًّا}، ومعناه: وكان الانتقامُ منهم حقًّا) قال صاحبُ ((الكواشي)): أُوْلِعَ جماعةٌ بالوَقْف على {حَقًّا} وليس بمُختارٍ؛ لأنَّ الوَقْفَ على {حَقًّا} يُوجب الانتقامَ ويُوجبُ نَصْرَ المؤمنين، ولا يَلزم أنه تعالى يَنتقمُ من كلٍّ، بل قد يعفو، وتَرْكُ الوَقْف على {حَقًّا} إنّما يُوجب نَصْرَ المؤمنين، ولا يحتاج إلى تقديرِ محذوفٍ؛ أي: كان الانتقامُ.

ذَكَر هذا المعنى صاحبُ ((المُرشد)) وزاد: أنه تعالى قد يعفو ولا ينتقمُ كما فَعَل بقوم يونسَ مِنْ صَرْف العذابِ، ولا بدَّ أن يَنْصُرَ المؤمنين على كلِّ حالٍ.

وقلت: وفي القول بإيجاب نَصْرِ المؤمنينَ إيجابُ القولِ بالانتقام من الكافرين، وبالعكس كما مَرَّ الكلامُ في الإدراج، والأسلوبُ من باب الطَّردِ والعَكسِ أو التَّذييل.

فإن قلت: لِمَ ذهب إلى الإدراج؟ وهَلاّ جَعل القرينتَينِ مستقلَّتينِ في الدّلالةِ كما قالا.

<<  <  ج: ص:  >  >>