وإن كنت مأمورًا بحسن مصاحبتهما في الدنيا، ثم إلىّ مرجعك ومرجعهما، فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما، علم بذلك حكم الدنيا وما يجب على الإنسان في صحبتهما ومعاشرتهما: من مراعاة حق الأبوة وتعظيمه، وما لهما من المواجب التي لا يسوغ الإخلال بها، ثم بين حكمهما وحالهما في الآخرة. وروى: أنها نزلت في سعد بن أبى وقاص وأمّه. وفي القصة: أنها مكثت ثلاثًا لا تطعم ولا تشرب حتى شجروا فاها بعود. وروى أنه قال: لو كانت لها سبعون نفسًا فخرجت، لما ارتددت إلى الكفر. فإن قلت: هذا الكلام كيف وقع في أثناء وصية لقمان؟ قلت: هو كلام اعترض به على سبيل الاستطراد، تأكيدًا لما في وصية لقمان من النهى عن الشرك. فإن قلت: فقوله: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) كيف اعترض به بين المفسر والمفسر؟ قلت: لما وصى بالوالدين: ذكر ما تكابده الأمّ وتعانيه من المشاق والمتاعب في حمله وفصاله هذه المدّة المتطاولة، إيجابًا للتوصية بالوالدة خصوصًا. وتذكيرًا بحقها العظيم مفردا،
قوله:(أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص) تقدَّم سببُ نزوله في العنكبوت.
قوله:(حتى شَجَروا فاها)، النهاية: أي: أدخلوا في شَجْرها عُودًا حتى يفتحوه به، والشَّجْر: مَفتحُ الفم، وقيل: هو الذَّقَنُ.
قوله:(لما وصّى بالوالدَينِ ذكر ما تُكابده الأمُّ) يريد أن جملةَ قولِه: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} جملةٌ مستأنفةٌ على سبيل التَّعليل تذكيرًا.
الانتصاف: هذا من قول الفقهاء: تعليلُ الحُكمِ يُفيده تأكيدًا.
قوله:(وتذكيرًا بحقِّها العظيم مفردًا)، قيل: مفردًا يجوز أن يكون حالاً من قوله: ((ما تُكابِدُه)) أي: ذكر ما تُكابِدُه مفردًا، وأن يكون حالاً من ((بحقِّها)) والأصوب أن يكون صفة لـ ((تذكيرًا))؛ أي: إيجابًا خصوصًا وتذكيرًا مفردًا، يعني: إنما أدخل ذكر ما تكابده الأُمُّ