مقاولة الشحم محال، ولكن الغرض أنّ السمن في الحيوان مما يحسن قبيحه، كما أن العجف مما يقبح حسنه، فصوّر أثر السمن فيه تصويرًا هو أوقع في نفس السامع؛ وهي به آنس، وله أقبل، وعلى حقيقته أوقف. وكذلك تصوير عظم الأمانة وصعوبة أمرها وثقل محملها والوفاء بها. فإن قلت: قد علم وجه التمثيل في قولهم للذي لا يثبت على رأى واحد: أراك تقدم رجلًا وتؤخر أخرى؛ لأنه مثلت حاله في تميله وترجحه بين الرأيين، وتركه المضي على أحدهما بحال من يتردد في ذهابه فلا يجمع رجليه للمضى في وجهه، وكل واحٍد من الممثل والممثل به شيء مستقيم داخل تحت الصحة والمعرفة، وليس كذلك ما في هذه الآية؛ فإن عرض الأمانة على الجماد وإباءه وإشفاقه محال في نفسه، غير مستقيم، فكيف صح بناء التمثيل على المحال؟ وما مثال هذا إلا أن تشبه شيئًا والمشبه به غير معقول. قلت: الممثل به في الآية، وفي قولهم: لو قيل للشحم: أين تذهب؟ وفي نظائره: مفروض، والمفروضات تتخيل في الذهن كما المحققات؛ مثلت حال التكليف في صعوبته وثقل محمله بحاله المفروضة لو عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها. واللام في (لِيُعَذِّبَ) لام التعليل على طريق المجاز؛
قولُه:(وترجُّحه بين الرأيَيْن)، الأساس: ترجَّحَ في القول: تَرجَّحَ في القول: تَميَّلَ فيه، وترجَّحَتِ الأرجوحةُ، ورجَحَ أحدُ قولَيْه على الآخر.
قولُه:(واللامُ في {لِّيُعَذِّبَ} لامُ التعليل على طريق المجاز)، يعني: عَلَّل بقَوْلِه: {لِّيُعَذِّبَ} قَولَه: {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} من حَيثُ إنه نتيجةُ الخيانةِ وإليه مآلُ الحَمْل، كقَولِه تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}[القصص: ٨]، ولما كانَ كَرامةُ العدوِّ غَيْظَ العدوِّ وموجبَ شَماتتهِ وكانت التوبةُ على المؤمنين إرغامًا للكافرين، عَطَفَ {وَيَتُوبَ} على {لِّيُعَذِّبَ} ليجمَعَ لهم بينَ العذابَيْن، وإليه الإشارةُ بقوله:((إذا تِيبَ على الوافي كان نوعًا من عذاب الغادر)).