(آمَنَّا بِهِ) بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لمرور ذكره في قوله:(ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ)] سبأ: ٤٦ [. والتناوش والتناول أخوان؛ إلا أنّ التناوش تناول سهل لشيء قريب، يقال: ناشه ينوشه، وتناوشه القوم. ويقال: تناوشوا في الحرب، ناش بعضهم بعضا. وهذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون، وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت، كما ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا. مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة، كما يتناوله الآخر من قيس ذراع تناولًا سهلًا لا تعب فيه
قوله:({آمَنَّا بِهِ,} بمحمدٍ صلوات الله عليه، لمرورِ ذكْرِه في قولهِ:{مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ})، إشارةٌ إلى بيانِ النظم، وذلك أن كُلاًّ من الآياتِ المُصدَّرة بـ ((قل)) من قوله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم}{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ}{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ}{قُلْ جَاءَ الْحَقُّ}{قُلْ إِن ضَلَلْتُ} فيه تذكير بليغ ووعظٌ شافٍ كافٍ، فلما ختمت بقوله:{قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} - وفيه إيماءٌ إلى معنى المشاركةِ وأنَّ تلك النصيحةَ ما نفعَتْ فيهم- قيل له مسليًا والتفتَ إلى كُلِّ مَنْ يتأتّى منه النَّظَرُ مخاطبًا بقوله:{وَلَوْ تَرَى} لعِظم الأمرِ وفخامةِ الشأن، أي: ولو ترى أيها الناظرُ وَقْتَ فَزَعِهم وأخْذِهم فلا فَوْتَ لهم، ووقْتَ قولهم: آمنّا بمحمد، صلى الله عليه وسلم فلا ينفعهُم إيمانُهم حينئذٍ، لرأيْتَ خطبًا جليلاً وأمرًا هائلاً.
قوله:(مِن غَلْوة)، وهي مِقدارُ رمية.
المغرب: مِن مُستعارِ المجاز: الغَلْوةُ مقدارُ رمية. وعن الليثِ: الفَرْسَخُ التامٌّ: خمسٌ وعشرونَ غلْوةً، يقال: غَلا بسَهْمه غَلْوًا، أو غالي به غلاءً: إذا رمى به أبعدَ ما قَدَر عليه.