قوله:(وآيتيهما قسمًا من الزمان) عطف تفسيري على قوله: "الليل والنهار" نحنو: أعجبني زيد وكرمه، وهما النيران من قوله تعالى:{فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}[الإسراء: ١٢] وإنما فسر به لينطبق على قوله تعالى: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ} كأنه قيل: ولا القمر سابق الشمس لينطبق عليه قوله: {وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. قال القاضي: وإيلاء حرف النفي الشمس للدلالة على أنها مسخرة لا يتيسر لها إلا ما أريد بها.
واعلم أن هذه الآية من المعضلات، وقد زاد في إشكالها عبارة المصنف؛ فقوله تعالى:{لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ} معناه: لا يتسهل لها أن تتصرف في سلطان القمر، وفي الليل لوقوع التدبير في المعاقبة بين الليل والنهار، وذلك أن سلطان القمر في الليل فلا تطلع الشمس فيه، فتزيل سلطانه وتصرفه عن مطارح ضيائه وصبغه الفواكه وغير ذلك، وقوله:{ولا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} معناه: لا يتسهل للقمر أن يكون ذا سلطان في النهار بل تراه جرمًا لا نورانية له، ولا بهاء فيه، فضلًا أن يزيل سلطان الشمس.
تلخيصه: أن كلا منهما مدبر بأمر معلوم ومقام مختص به، وتسخير معين في السير، نحوه قوله تعالى:{وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}[الصافات: ١٦٤] وينصره النظم.
أما السباق فقوله:{والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا .... والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} والسياق {وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وإليه الإشارة بقوله: ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن يبطل الله ما دبر من ذلك، كأنه قيل: لا الشمس ينبغي لها أن تتصرف في الليل