للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنه: صدقني سن بكره. فإن قلت: {مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}؟ سؤال عن الباعث، فكيف طابقه ذلك جوابًا؟ قلت: معناه: بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأنباكم به الرسل؛ إلا أنه جيء به على طريقة: سيئت بها قلوبهم، ونعيت إليهم أحوالهم، وذكروا كفرهم وتكذيبهم، وأخبروا بوقوع ما أنذروا به، وكأنه قيل لهم: ليس بالبعث الذي عرفتموه، وهو بعث النائم من مرقده، حتى يهمكم السؤال عن الباعث، إن هذا هو البعث الأكبر ذو الأهوال والأفزاع، وهو الذي وعده في كتبه المنزلة على السنة رسله الصادقين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ومنه: صدقني سن بكره) أي: في سن بكره. مضى شرحه في "الأحزاب" عند قوله تعال: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٢٣].

قوله: (فكيف طابقه ذلك جوابًا) يعني: سألوا عن الفاعل وعن الباعث بقولهم: {مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}؟ وكان من الظاهر أن يجابوا بأنه الرحمن أو الله، فكيف قيل: {هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ المُرْسَلُونَ}؟

وأجاب: أن ذلك القدر ليس بكاف في الجواب ظاهرًا، لأن قولهم: {مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} حكاية عن قولهم هذا عند البعث بعد ما سبق من قولهم: {ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فلا بد في الجواب من قول يتضمن معنيين فإذا مقتضى الظاهر أن يقال: بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث، وأنبأكم به الرسل كما صرح به المصنف. لكن عدل إلى ما يشعر بتكذيبهم وتصوير حال كفرهم ليكون أهول وفي التفريع أدخل.

والجواب وارد على الأسلوب الحكيم يعني: لا تسألوا عن الباعث فإن هذا البعث ليس كبعث النائم، وإن ذلك ليس مما يهمكم الآن، وإنما الذي يهمكم أن تسألوا: ما هذا البعث ذو الأهوال والأفزاع إلى آخر ما ذكره المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>