فأجاب بأنه من العالين حيث قال:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}. وقيل: أستكبرت الآن، أم لم تزل منذ كنت من المستكبرين؟ ومعنى الهمزة: التقرير. وقرئ:(استكبرت) بحذف حرف الاستفهام؛ لأن {أَمْ} تدل عليه. أو بمعنى الإخبار. هذا على سبيل الأولى، أي: لو كان مخلوقًا من نار لما سجدت له؛ لأنه مخلوق مثلي، فكيف أسجد لمن هو دوني؛ لأنه من طين، والنار تغلب الطين وتأكله، وقد جرت الجملة الثانية من الأولى- وهي:{خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ} - مجرى المعطوف عطف البيان من المعطوف عليه في البيان والإيضاح.
{مِنْهَا}: من الجنة. وقيل: من السماوات. وقيل: من الخلقة التي أنت فيها؛ لأنه كان يفتخر بخلقته، فغير الله خلقته فاسود بعدما كان أبيض، وقبح بعدما كان حسنًا، وأظلم بعدما كان نورانيًا. والرجيم: المرجوم، ومعناه: المطرود، كما قيل له: المدحور
وقل: أنا سمتني أمي حيدرة، وفي استشهاد سيبويه: أنت تفعل. لتجد صحة التركيب مع فقدان الذوق عند الحذف.
قوله:(هذا على سبيل الأولى)، {هَذَا} إشارة إلى قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} في قوله: "فأجاب بأنه من العالين"، حيث قال:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}، يعني: هذا المذكور أولى من الجواب المطابق وهو قوله: {مِنَ الْعَالِينَ}؛ لأنه جواب مع العلة، ولهذا قال: لو كان مخلوقًا من نار سجدت له؛ لأنه مخلوق مثلي، فكيف أسجد لمن هو دوني؟ ولو أجاب على مقتضى الظاهر وقال: أنا من العالين، لم يفد هذه الفائدة، ويقرب أن يسمى جواب إبليس من الأسلوب الأحمق، ولهذا عقبه بقوله:{فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإنَّكَ رَجِيمٌ}.
قوله:(وأظلم بعدما كان نورانيا)، قال: هذا يدل على أنه لم يكن كافرًا حين كان من الملائكة، ولأن الله سبحانه وتعالى لم يحك عنه إلا الاستكبار بأنه لم يسجد، وهذا دليل على أنه صار كافرًا حين لم يسجد.