{رَواسِيَ} جبالًا ثوابت. فإن قلت: ما معنى قوله: {مِنْ فَوْقِها}؟ وهلا اختصر على قوله:{وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ}، كقوله:{وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ}[المرسلات: ٢٧]، {وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ}[الأنبياء: ٣١]، {وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ}[النلم: ٦١]! قلت: لو كانت تحتها كالأساطين لها تستقر عليها، أو مركوزة فيها كالمسامير لمنعت من الميدان، وإنما اختار إرساءها فوق الأرض؛ لتكون المنافع في الجبال معرضة لطالبيها، حاضرة
وقال الراغب: لا بد من أحد أمرين، إما أن ينوي بقوله:{وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ} التقديم حتى يعطف على {خَلَقَ}، وينوي قبله:{وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدادًا} التأخير، وهذا مما يجوز في ضرورات الشعر، وإما أن يعطف على فعل مثل ما وقع في الصلة بدلالة الأول عليه، فيضمر "خلق الأرض" ثم يعطف عليه {وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ} كأنه قيل: أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام؟ فيضم اليومان اللذان يقتضيهما خلق الأرض إلى اليومين اللذين هما لخلق ما فيها، والوجه ما قررناه.
قوله:(ما معنى قوله: {مِنْ فَوْقِها}؟ )، أي ما فائدة الزيادة في هذه الآية؛ لأن تلك الآيات التي وردت بدون هذه الزيادة معطية معنى الفوقية من غير ذكره؟ وأجاب: فائدتها التنبيه على الحكمة التي اقتضت جعلها كذلك؛ لأنها لو كانت تحتها كالأساطين جعل للأرض الاستقرار على الأساطين، لكن فإن منافع الجبال كما لو كانت الجبال مركوزة فيها، حاصله أن القصد من خلق الجبال المنع من ميدان الأرض كما قال تعالى:{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}[النحل: ١٥] وكان ذلك إما بجعلها كالأساطين أو بجعلها مركوزة فيها أو بجعلها رواسي شامخات، فاختير الثالث لإفادة المنافع المذكورة مع حصول ما قصد منها.