لكان يجوز أن يريد باليومين الأولين والآخرين أكثرهما. {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ}: من قولك: استوى إلى مكان كذا؛ إذا توجه إليه توجهًا لا يلوى على شيء، وهو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج، ونحوه قولهم: استقام إليه وامتد إليه، ومنه قوله تعالى:{فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ}[فصلت: ٦]، والمعنى: ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق السماء بعد خلق الأرض وما فيها من غير صارف يصرفه عن ذلك. قيل: كان عرشه قبل
قوله:(وهو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج)، الراغب: المساواة: المعادلة المعتمدة بالذرع والوزن والكيل، وقد يعتبر بالكيفية، ونحو: هذا السواد مساوٍ لذلك السواد، وإن كان تحقيقه راجعًا إلى اعتبار مكانه دون ذاته، واستوى على الوجهين؛ بمعنى: تساوى، كقوله تعالى:{لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ}[التوبة: ١٩]، وبمعنى اعتدال الشيء في ذاته، نحو قوله تعالى:{فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ}[الفتح: ٢٩] واستوى أمر فلان، ومتى عدي بـ"على" فبمعنى الاستيلاء كقوله تعالى: {الرَّحِمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه: ٥] وقيل: معناه: استوى له ما في السماوات وما في الأرض، أي استقام الكل على مراده بتسويته تعالى إياه، كقوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: ٢٩ [وإذا عدي بـ"إلى" فبمعنى الانتهاء إليه، إما بالذات أو بالتدبر، وعلى الثني قوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ} والمساواة متعارفة في المثمنات، يقال: هذا الثوب يساوي كذا. وأصله من ساواه في القدر، قال تعالى:[حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: ٩٦].
قوله:(ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق السماء بعد خلق الأرض وما فيها) سوء أدب، ومعناه مشكل مع قوله بعد هذا:"خلق جرم الأرض أولًا غير مدحوة ثم دحاها بعد خلق السماء" وقوله في البقرة: "جرم الأرض تقدم خلقه السماء، وأما دحوها فمتأخر"، وبيانه ما ذكر الإمام أن الله سبحانه وتعالى بين أنه خلق الأرض في يومين، ثم إنه تعالى في اليوم الثالث جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها، وهذه الأحوال.