للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والجواب من وجهين: أحدهما: أنه صدر عنهم ذلك العمى؛ لأنهم استحبوا تحصيله فلم وقع في قلوبهم هذه المحبة دون محبة ضده؟ فإن حصل لا لمرجح فهو باطل، وإن كان من العبد عاد الطلب، وإن كان من الله فهو المطلوب. وثانيهما: أنه تعالى قال: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى}، ومن المعلوم أن احدًا لا يحب العمى والجهل؛ لكونه عمىَ وجهلَا، بل ما لم يطلق فيهما كونهما بصيرة وعلمًا لا يرغب فيه، فإقدامه على اختيار ذلك الجهل لا بد ان يكون مسبوقًا بجهل آخر لا عن اختيار منه.

ثم قال الإمام: شرع صاحب "الكشاف" ها هنا في سفاهة عظيمة والأولى ألا يلتفت إليه؛ لأنه وغن كان يعى سعيًا حسنًا فيما يتعلق بالألفاظ؛ إلا أنه كان بعيدًا من هذه المعاني.

وقلت: هذا يشعر بأن الإمام أقر أن ظاهر الألفاظ التنزيلية مع المصنف، لكن دلائل العقل لا تساعد عليه، وليس كذلك؛ لأن الألفاظ أيضًا تنبو عن تفسيره، وبيانه: أنا نوافقه ان الهدى ها هنا مستعمل في مجرد الدلالة إما مجازًا على ما قال او حقيقة إذا قلنا بالاشتراك، لكن الخلاف في آية البيان والدلالة، أو لإزاحة العلة والتمكين على الهدى بمثابة تحصيل البغية فيم بتحصيل ما يوجبها فلينظر إلى مقتضى المفام ليظهر الحق، فإنه كثيرًا ما يصرف اللفظ المستقيم من جهة النحو واللغة عن موضعه للتناسب المعنوي كما فعل في قوله: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة آية: ٥ - ٦] قال: "قيل: الطاغية مصدر كالعافية، أي: بطغيانهم، وليس بذاك؛ لعدم الطباق بينها وبين قوله: {رِيحًا صَرْصَرًا} "، وفسرها بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة لتوافق قوله: بالعاتية.

وفي هذا المقام أغمض عن ذلك عصبيته، وذلك ان قوله: {وًامَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ} معطوف على قوله: {وَأَمَّا عَادٌ} وهما تفصيل لما أجمل، ونشر لما لف في قوله: {أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ} ألا ترى كيف جمعهما وعم فيه قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>