بشهادتها عليكم، بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء أصلًا، ولكنكم إنما استترتم لظنكم {أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا} كنتم {تَعْمَلُونَ}؛ وهو الخفيات من أعمالكم، وذلك الظنّ هو الذي أهلككم. وفي هذا تنبيه على أن من حق المؤمن أن لا يذهب عنه ولا يزل عن ذهنه أن عليه من الله عينًا كالئة ورقيبًا مهيمنًا، حتى يكون في أوقات خلواته من ربه أهيب وأحسن احتشامًا وأوفر تحفظًا وتصونًا منه مع الملأ، ولا يتبسط في
يوم التناد؛ لأنكم قم دهرية، ولكن الخوف لأهل الفضيحة في الدنيا من أبناء جنسكم؛ فاستترتم منهم لا من العالم بالسر والخفيات؛ لأنكم كنتم تعتقدون اعتقاد القلاسفة- خذلهم الله- أن الله غير عالم بما تفعلون في الحجب من ارتكاب الفواحش.
قوله:(وذلك الظنّ هو الذي أهلككم) إنما أدخل ضمير الفعل ليؤذن أن الكلام فيه تخصيص، وذلك من تعريف الظن الموصوف بالموصولة، وإيقاعه خبرًا لاسم الإشارة الدال على ما بعده. جدير من قبله لأجل اتصافه بذلك الظن الفاسد ثم تكرير الظن؛ لأن الأصل: ذلكم أرداكم، وعلى هذا أيضًا إذا جعل {ظَنُّكُمُ} بدلًا من "ذلكم"، لأنه حينئذ توضيح للواضح؛ وتوكيد للنسبة مظيدًا للتقدير، وجعل المشار إليه كالمشخص المعين الذي لا نزاع فيه كما سبق في الفاتحة، "ذلكم" مبتدأ، و {ظَنُّكُمُ} الخبر، و {الَّذِي} نعت للخبر أو خبر بعد خبر، و {أَرْداكُمْ} خبر آخر، ويجوز أن يكون الجميع صفة أو بدلًا، و {أَرْداكُمْ} الخبر، ويجوز أن يكون {أَرْداكُمْ} حالًا.
قال صاحب "الكشف": تقديره: ذلكم ظنكم مرديًا إياكم.
قوله:(أن عليه من الله عينًا كالئة ورقيبًا مهيمنًا)، فيه تجريد.
قوله:(من ربه أهيب)، "من ربه: متعلق بـ"أهيب"، يقال: هاب منه. وقوله: "احتشامًا" يقدر له مثل ذلك، أي؛ احتشامًا من ربه؛ لأن المصدر لا يتقدمه معموله، ولا معمول التمييز يتقدم على عامل التمييز، وكذا لا يتقدم معمول تنازع فيه العاملان على