للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الابتهال والتضرع. وقد استعير العرض لكثرة الدعاء ودوامه وهو من صفة الأجرام، ويستعار له الطويل -أيضًا- كما استعير الغلظ لشدّة العذاب. وقرئ: (ونأِى بجانبه)، بإمالة الألف وكسر النون للإتباع، و (ناء) على القلب، كما قالوا: راء، في: رأى. فإن قلت: حقق لي معنى قوله: {وَنَأى بِجانِبِهِ}. قلت: فيه وجهان: أن يوضع "جانبه" موضع نفسه كما ذكرنا في قوله تعالى: {عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٦]: أن مكان الشيء وجهته ينزل منزلة الشيء نفسه، ومنه قوله:

...... ونفيت عنه .... مقام الذئب ...... ..

يريد: ونفيت عنه الذئب. ومنه: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [الرحمن: ٦]، ومنه قول الكتاب: حضرة فلان ومجلسه، وكتبت إلى جهته، وإلى جانبه العزيز، يريدون نفسه وذاته، فكأنه قال: ونأى بنفسه، كقولهم في المتكبر: ذهب بنفسه، وذهبت به الخيلاء كل مذهب، وعصفت به الخيلاء؛ وأن يراد بجانبه: عطفه،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وقرئ: (ونأِى بجانبه)) ابن ذكوان: "وناءى بجانبه" جعل الهمزة بعد الألف، والباقون: بفتحهما، ورش على أصله.

قوله: (ونفيت عنه الذئب) قبله:

وماء قد وردت لوصل أروى .... عليه الطير كالورق اللجين

ذعرت به القطا ونفيت عنه .... مقام الذئب كالرجل اللعين

واللجين: ما سقط من الورق عند الخبط، وذعرت: أي أفزعته، والضمير في "به" يعود إلى الماء، خص الذئب والقطا؛ لأن القطا أهدى الطير، والذئب أهدى السباع، وهما السابقان إلى الماء، والرجل اللعين؛ شيء منتصب وسط الزرع يستطرد به الوحوش.

يقول: رب ماء قد وردته لأجل أن أرى عليه محبوبتي، جاءت إليه لغسل رأسها ورحض ثيابها، وصفة الماء ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>