وعن النخعي: أنه كان إذا قرأها قال: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق. فإن قلت: أهم محمودون على الانتصار؟ قلت: نعم، لأنّ من أخذ حقه غير متعد حدّ الله وما أمر به، فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم، أو رد على سفيه، محاماة على عرضه وردعًا له، فهو مطيع، وكل مطيع محمود.
ويبعد أن يجعل من باب تقوى الحكم، لأنه إذا قيل: هم يغفرون البتة، فهم أنهم لا يتجاوزون إلى الانتصار، وإذا قيل: هم ينتصرون قطعًا، فهم: أنهم لا يغفرون البتة.
وقال القاضي:" {هُمْ يَنتَصِرُونَ} على ما جعله الله لهم كراهة التذلل، وهو وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفصائل، وهو لا يخالف وصفهم بالغفران، فإن الاقتصار على الغفران ينبئ عن العجز، والحلم عن العاجز محمود، وعن المتغلب مذموم".
وقلت: مثله قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة: ٥٤]، فهو من باب التكميل.
قوله:(كلتا الفعلتين الأولى وجزاؤها سيئة؛ لأنها تسوء من تنزل به): وقلت: بل تسوء المجازي؛ لأن القصد هو تحريض العفو والتجاوز، فسمي الجزاء بالسيئة تهجينًا، فهو من باب "حسنات الأبرار سيئات المقربين"، لا من باب المشاكلة، وذلك أنه تعالى لما أثبت للذين آمنوا