وذلك أنّ قوله تعالى:{إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[الأنبياء: ٩٨]: ما أريد به إلا الأصنام، وكذلك قوله عليه السلام:«هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم»، إنما قصد به الأصنام، ومحال أن يقصد به الأنبياء والملائكة، إلا أن ابن الزبعرى بخبه وخداعه وخبث دخلته، لما رأى كلام الله ورسوله محتملًا لفظه وجه العموم، مع علمه بأنّ المراد به أصنامهم لا غير، وجد للحيلة مساغًا، فصرف معناه إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله، على طريقة المحك والجدال وحب المغالبة والمكابرة، وتوقح في ذلك، فتوقر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجاب عنه ربه:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى}[الأنبياء: ١٠١]، فدل به على أنّ الآية خاصة في الأصنام، على أنّ ظاهر قوله:{وَما تَعْبُدُونَ} لغير العقلاء.
وروى محيي السنة في"المعالم": أن ابن الزبعرى قال: "أنت قلت: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}؟ قال: نعم، قال: أليست اليهود تعبد عزيزًا، والنصارى تعبد المسيح، وبنو مليح يعبدون الملائكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل هم يعبدون الشيطان، فأنزل الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى}[الأنبياء: ١٠١] ".
قوله:(بخبه): النهاية: "الخب- بالفتح-: الخداع، وهو الجربز الذي يسعى بين الناس بالفساد، وأما المصدر فبالكسر لا غير".
قوله:(وخبث دخلته): الجوهري: "داخلة الرجل: باطن أمره، وكذلك الدخلة بالضم"، الأساس:"إنه لخبيث الدخلة، وعفيف الدخلة، وهي باطن أمره".
قوله:(على طريقة المحك): الأساس: "رجل محك: لجوج عسر، وماحك ومحكان، وقد محك محكًا، وماحك صاحبه".