والمعنى: ما هو إلا التلذذ الخالص، ليس معه ذهاب عقل ولا خمار ولا صداع، ولا آفة من آفات الخمر، {مُصَفًّى} لم يخرج من بطون النحل، فيخالطه الشمع وغيره، {ماءً حَمِيمًا} قيل: إذا دنا منهم شوى وجوههم، وانمازت فروة رءوسهم، فإذا شربوه قطع أمعاءهم.
هم المنافقون، كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعون كلامه، ولا يعونه، ولا يلقون له بالًا تهاونًا منهم، فإذا خرجوا قالوا لأولي العلم من الصحابة: ماذا قال الساعة؟ على جهة الاستهزاء. وقيل: كان يخطب، فإذا عاب المنافقين خرجوا، فقالوا ذلك للعلماء. وقيل: قالوه لعبد الله بن مسعود. وعن ابن عباس: أنا منهم، وقد سميت فيمن سئل.
{آنِفًا} - وقرئ:"أنفًا" على "فَعِل"-: نصب على الظرف،
قوله:(والمعنى: ما هو إلا التلذذ الخالص، ليس معه ذهاب عقل ولا خمار ولا صداع ولا آفة من آفات الخمر): كل هذا المعنى يعطيه الوصف بقوله: {لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ} تعريضًا بخمور الدنيا، كقوله تعالى:{لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ}[الصافات: ٤٧]، ويدل على التعريض تفسيره "المصفى" بقوله: "لم يخرج من بطون النحل، فيخالطه الشمع وغيره"، اعتبر فيهما معنى الوصف بإحدى صفتي الذات، وخصصهما، إذ لولا التعريض لم يفد فائدةً أخرى.
قال القاضي:"وفي ذلك مثل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا، بالتجريد عما ينقصها وينغصها، والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها".