وقيل لهم: بئس الذكر أن تذكروا الرجل بالفسق واليهودية بعد إيمانه، والجملة على هذا التفسير متعلقة بالنهى عن التنابز. والثالث: أن يجعل من فسق غير مؤمن، كما تقول للمتحول عن التجارة إلى الفلاحة: بئست الحرفة الفلاحة بعد التجارة.
يقال: جنبه الشر: إذا أبعده عنه، وحقيقته: جعله منه في جانب، فيعدى إلى مفعولينن قال الله عز وجل:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ}[إبراهيم: ٣٥]، ثم يقال في مطاوعه: اجتنب الشر، فتنقص المطاوعة مفعولًا. والمأمور باجتنابه هو بعض الظن، وذلك البعض موصوف بالكثرة، ألا ترى إلى قوله:{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}؟
قوله:(والجملة على هذا التفسير): أي: على أن تفسير {بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ} بما "أنه كان في شتائمهم لمن أسلم من اليهود: يا يهودي، يا فاسق": كالتعليل لقوله: {ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}، يعني: لا تشتموهم بهذه الألفاظ، لأنه قبيح.
وعلى التفسير الأول والثالث: الجملة متعلقة بقوله: {ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ}، على أن معناه: لا تفعلوا ما تلمزون به، كما نص عليه فيما سبق، أي: لا تتصفوا بما أن سمع بكم سامع عابكم بسببه، وهو لوجهين: أحدهما: أن لا يكون ثمة انتقال من وصف إلى وصف، بل يكون جمعًا بينهما، كما قال:"أحدهما: استقباح الجمع بين الإيمان وبين الفسق"، واستشهد له بقوله:"بئس الشأن بعد الكبرة الصبوة"، وثانيهما: أن يحصل الانتقال من وصف إلى وصف، وتحويلًا منه إليه، وهو أقرب إلى مذهبه، لأن الفسق والإيمان عنده لا يجتمعان، واستشهد له بقوله:"بئست الحرفة الفلاحة بعد التجارة".
قوله:(ألا ترى إلى قوله: {إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ}): تعليل للأمر بالاجتناب، يعني: يجب