للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل لهم: بئس الذكر أن تذكروا الرجل بالفسق واليهودية بعد إيمانه، والجملة على هذا التفسير متعلقة بالنهى عن التنابز. والثالث: أن يجعل من فسق غير مؤمن، كما تقول للمتحول عن التجارة إلى الفلاحة: بئست الحرفة الفلاحة بعد التجارة.

[{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} ١٢]

يقال: جنبه الشر: إذا أبعده عنه، وحقيقته: جعله منه في جانب، فيعدى إلى مفعولينن قال الله عز وجل: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ} [إبراهيم: ٣٥]، ثم يقال في مطاوعه: اجتنب الشر، فتنقص المطاوعة مفعولًا. والمأمور باجتنابه هو بعض الظن، وذلك البعض موصوف بالكثرة، ألا ترى إلى قوله: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (والجملة على هذا التفسير): أي: على أن تفسير {بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ} بما "أنه كان في شتائمهم لمن أسلم من اليهود: يا يهودي، يا فاسق": كالتعليل لقوله: {ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}، يعني: لا تشتموهم بهذه الألفاظ، لأنه قبيح.

وعلى التفسير الأول والثالث: الجملة متعلقة بقوله: {ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ}، على أن معناه: لا تفعلوا ما تلمزون به، كما نص عليه فيما سبق، أي: لا تتصفوا بما أن سمع بكم سامع عابكم بسببه، وهو لوجهين: أحدهما: أن لا يكون ثمة انتقال من وصف إلى وصف، بل يكون جمعًا بينهما، كما قال: "أحدهما: استقباح الجمع بين الإيمان وبين الفسق"، واستشهد له بقوله: "بئس الشأن بعد الكبرة الصبوة"، وثانيهما: أن يحصل الانتقال من وصف إلى وصف، وتحويلًا منه إليه، وهو أقرب إلى مذهبه، لأن الفسق والإيمان عنده لا يجتمعان، واستشهد له بقوله: "بئست الحرفة الفلاحة بعد التجارة".

قوله: (ألا ترى إلى قوله: {إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ}): تعليل للأمر بالاجتناب، يعني: يجب

<<  <  ج: ص:  >  >>