للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: بين الفصل بين "كَثِير"، حيث جاء نكرة، وبينه لو جاء معرفة. قلت: مجيئه نكرة يفيد معنى البعضية، وإنّ في الظنون ما يجب أن يجتنب، من غير تبيين لذلك ولا تعيين، لئلا يجترئ أحد على ظنّ إلا بعد نظر وتأمّل، وتمييز بين حقه وباطله بأمارة بينة، مع استشعار للتقوى والحذر، ولو عرف لكان الأمر باجتناب الظنّ منوطًا بما يكثر منه دون ما يقل، ووجب أن يكون كل ظنّ متصف بالكثرة مجتنبًا، وما اتصف منه بالقلة مرخصا في تظننه.

والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها: أنّ كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر: كان حرامًا واجب الاجتناب، وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظنّ الفساد والخيانة به محرّم، بخلاف من اشتهر بين الناس بتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى حرّم من المسلم دمه وعرضه وأن يظنّ به ظنّ السوء»، وعن الحسن: كنا في زمان الظن بالناس حرام، وأنت اليوم في زمان اعمل واسكت، وظنّ بالناس ما شئت. وعنه: لا حرمة لفاجر. وعنه: إن الفاسق إذا أظهر فسقه وهتك ستره هتكه الله، وإذا استتر لم يظهر الله عليه لعله أن يتوب. وقد روي: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن يحمل التنكير في {كَثِيرًا} على "البعض"؛ لأن قوله: {إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ} تعليل للأمر بالاجتناب، والمطابقة بين العلة والمعلول واجبة.

قوله: (مع استشعار): الجوهري: "استشعر فلان الخوف: أي: أضمره".

قوله: (اعمل واسكت وظن بالناس ما شئت): أي: اشتغل بخاصة نفسك، ولا تختلط بالناس، وكن على حذر منهم، لما ورد: "الحزم سوء الظن".

<<  <  ج: ص:  >  >>