وسياق هذه الآية فيه لطف ورشاقة، وذلك أنّ الكائن من الأعاريب قد سماه الله إسلامًا، ونفى أن يكون -كما زعموا- إيمانًا، فلما منوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منهم، قال الله سبحانه وتعالى لرسوله عليه السلام: إنّ هؤلاء يعتدّون عليك بما ليس جديرًا بالاعتداد به من حدثهم الذي حق تسميته أن يقال له: "إسلام"، فقل لهم: لا تعتدوّا عليّ إسلامكم، أي: حدثكم المسمى "إسلامًا" عندي لا "إيمانًا"، ثم قال: بل الله يعتدّ عليكم أن أمدّكم بتوفيقه حيث هداكم للإيمان، على ما زعمتم وادعيتم أنكم أرشدتم إليه ووفقتم له، إن صحّ زعمكم وصدقت دعواكم، إلا أنكم تزعمون وتدعون ما الله عليم بخلافه.
قوله:(وسياق هذه الآية فيه لطف ورشاقة): وبيانه: أن الأعراب لما قدموا المدينة، وأظهروا الشهادة، وكانوا يغدون ويروحون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمنون عليه صلوات الله عليه بقولهم:"آمنا"، وساقوا الكلام مساق الإخبار عن إحداث الإيمان ليكون في معرض الامتنان، فأمر الله سبحانه وتعالى حبيبه صلوات الله عليه أن يجيب عن إحداث الإيمان، بقوله:{قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ولَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا}، ثم نبهه على مكان الامتنان بقوله:{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا}، وأمره بأن يجيب عنه بقوله:{قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ}، فوضع موضع:"ما ليس جديرًا بالاعتداد".
قوله:(إسلامكم): والاستثناء في قوله: "إلا أنكم تزعمون" منقطع.
قوله: (وفي إضافة "الإسلام" إليهم): يعني: معنى إضافة "الإسلام" إليهم: أنه الإسلام الذي تعورف واشتهر من أمثالهم، وما يليق أن ينسب إليهم. ومعنى إيراد "الإيمان" غير مضاف إليهم، بل محلى بلام التعريف: أنه الإيمان الكامل، وما يقال له عند الله وعند الموحدين: إنه إيمان.