وعن أبي بكر رضي الله عنه أن هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة، فبكوا بكاء شديدًا، فنظر إليهم فقال: هكذا كنا حتى قست القلوب.
وقرئ:(نزل) و (نزل) و (أنزل). {ولا يَكُونُوا} عطف على {تَخْشَعَ}، وقرئ بالتاء على الالتفات، ويجوز أن يكون نهيًا لهم عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب بعد أن وبخوا، وذلك أن بني إسرائيل كان الحق يحول بينهم وبين شهواتهم، وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله ورقت قلوبهم، فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة، واختلفوا وأحدثوا ما أحدثوا من التحريف وغيره.
فإن قلت: ما معنى: {لِذِكْرِ اللَّهِ ومَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ}؟
قلت: يجوز أن يراد بالذكر وبما نزل من الحق: القرآن؛ لأنه جامع للأمرين: للذكر والموعظة، وأنه حق نازل من السماء، وأن يراد خشوعها إذا ذكر الله وإذا تلي القرآن
قوله:(هكذا كنا حتى قست القلوب) قال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي قدس الله سره: معناه: تصلبت وأدمنت سماع القرآن، وألفت أنواره فما استغربته حتى تتغير كما تغير هذا السامع.
قوله:(وأن يراد خشوعها) فعلى هذا ذكر الله غير القرآن، فإن كل واحد من ذكر الله وتلاوة القرآن سبب لخشوع القلب، كأنه قيل: ألم يقرب للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لهذين الموجبين فإنه لا مزيد عليهما، وعلى الأول هو من باب قوله تعالى:{وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ}[البقرة: ٥٣] يعني: الجامع بين كونه كتابًا منزلًا وفرقانًا يفرق بين الحق والباطل، يعني التوراة كقولك: رأيت الغيث والليث، أي: الرجل الجامع بين هذين الوصفين.