للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويجوز أن يكون (لِمَن شَاءَ) بدلاً من (لِّلْبَشَرِ) على أنها منذرة للمكلفين الممكنين: الذين إن شاؤوا تقدموا ففازوا، وإن شاؤوا تأخروا فهلكوا.

[(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ • إلاَّ أَصْحَابَ اليَمِينِ • فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ • عَنِ المُجْرِمِينَ • مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ • قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ • ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ • وكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ • وكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ • حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ • فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) ٣٨ - ٤٨]

(رَهِينَةٌ) ليست بتأنيث «رهين» في قوله: (امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور: ٢١]، لتأنيث النفس؛ لأنه لو قصدت الصفة لقيل: رهين؛

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال الإمام: "احتجت المعتزلة بالآية على كون العبد مُتمكناً من الفعل غير مجبور عليه. وجوابه: أن الآية دلت على أنَّ فعل العبد مُعلق على مشيئته، ولكن مشيئة العبد مُعلقة على مشيئة الله تعالى، لقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠] ".

قوله: (ويجوز أن يكون في {لِمَن شَاءَ} بدلاً من {لِّلْبَشَرِ})، وهو على تكرير العامل، كقوله: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف: ٧٥]. فإن قلت: مفعول {شَاءَ} و {أَرَادَ} يُحذف في الكلام الفصيح، اللهم إلا أن تكون فيه غرابة، فأي غرابة فيه حتى ذُكر في هذا الوجه دون الأول؟ قلت: غرابته أن التقدير: والله إنها لإحدى الكُبر، نذيراً للمكلَّفين المختارين المتمكِّنين من فعل الطاعة والمعصية، فكنى عن ذلك بقوله: {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}، وقوله: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أحسن انتظاماً بهذا الوجه لما في الوجه الأول شائبة تهديد ووعيد، ونظيره قوله: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩] شاهد عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>