وبعد, فإن رحلتي مع هذا الكتاب أفدت منها الشيء الكثير, إذ أن العمل في خدمة التراث يفتح آفاقاً واسعة للاطلاع على ما خلفه أسلافنا العظماء من أعمال تعد بناء حضارياً عتيداً في تاريخ الأمم.
وكتاب ترتيب العلوم هذا فيه خلاصة تومئ من قريب إلى ذلك السفر الإسلامي المجيد, إذ أن مؤلفه أظهر فيه لمحات من خطة تصنيف خاصة لطالب العلم, كيف ومن أين يبدأ إلى أن يرقى عالياً في سلم المعرفة. وفي أثناء ذلك يبقى مستديم الملاحظة لسلوك طالب العلم موجهاً ومعلماً ومربياً كأحسن ما يكون المربي الناصح الأمين, ومحذراً من زيوف المظاهر التي إن داخلت حياة طالب العلم أفسدته وانحرفت به عن جادة الصواب.
ولم ينس رأي الشرع في تعلم العلوم كافة, فتتبعها علماً علماً مبيناً أحكام تعلمها من وجوب وندب وإباحة وحرمة وغير ذلك.
والكتب كهذا الكتاب كثيرة في مخازن التراث الإسلامي, اندرجت تحت المعارف العامة أو الفلسفة الإسلامية, وتحتاج إلى أيدٍ نشطة تواقة إلى المجد لتخرج هذا التراث من ظلام المستودعات إلى نور الحياة العلمية لينتفع بها الناس ولتأخذ مكانها اللائق بها بين مقومات الحضارات الأخرى, ككتاب النقاية وإتمام الدراية للسيوطي وغيره الكثير.
وحبذا لو توجه عناية بعض طلبة الدراسات العليا في الكليات النظرية- وحتى العلمية- إلى دراسة وتحقيق أمثال هذه الكتب التي حفل بها تراثنا العلمي الإسلامي.