يقدر على إفادتها, وإنما مدار كونه "تكميلاً" تسمية أستاذه إياه "تكميلاً" وإذنه له بتدريس ما شاء, وإلباسه إياه رداء العلماء, ووضعه على رأسه العمامة الكبرى, فيدع التعلُّم ويتصدى لتعليم ما لا يفهمه, وإذا صادف ماهراً في فن لا يعرفه لا يتعلم منه لظنه أنه جاوز مرتبة (العلم) إلى مرتبة التعليم أو لأنه يلحقه المعرة, ونقصان الدرجة حتى لو لقي القطب العلامة لا يتعلم منه, لظنه أنه صار علامة مثله, أو لئلا يظن الناس أنه في العلم دونه. وأنا أمثل ذلك التكميل بفقير ذي عيال أعياه تعب الكسب, فقصد غنياً ليطعمه قدر ما يغنيه عن المكسب, فلما أتاه أعطاه شيئًا قليلاً لا يغنيه عن الكسب, لكنه سماه غنياً وألبسه شيئاً من لباس الأغنياء, وأذن له بالاستراحة وأكل الأطعمة الطيبة والتوسيع على العيال والأحبة, فرجع ذلك الفقير مسروراً بما يأمله من الاستراحة والحياة الطيبة, وأهله ينتظرونه بالسرور, فإذا جاء أهله لا يكون إلا ضحكة للناس, فاعتبروا يا أولي الألباب.
[(تذبيل بمدح القرآن)]
لتهييج نشاط الطالبين ليرغبوا فيه وفي العلوم المتعلقة به.
فنقول: القرآن كلام من تصاغر كل شيء لكبريائه وتذلل كل شيء لعزته واستسلم كل شيء لقدرته, عطاياه من الأزل إلى الأبد. بلة إبرة من بحار رحمته وملكوته كلها حبة من خزائن قدرته, ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات شرح عظمته, ثم إنه تعالى مدحه بقوله: } وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (١٩٤){[الشعراء: ١٩٢ - ١٩٤] ,} وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ