للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تداركتها منه، وإن عجزت عن ذلك تضرعت عليه في عفوها عنّي. فضجَّ الناس بالبكاء وارتفعت أصواتهم بالأيمان المؤكدة أنَّه ليس فينة من له منك شكوى ولا يتخلفك مكروه؛ فنبلغ ذلك صاحب ماردين فعظمت مكانته عنده؛ وحجَّ في تلك السنة. وكان هو الرسول إلى ديوان الخلافة وغيره من الملوك عن صاحب ماردين، هل اآخر كلامه.

أنشدني الصاحب الإمام أبو القاسم بن أبي جرادة بحلب - أيده الله تعالى - قال: أنشدنا / ٢٢٥ ب/ القاضي يحيى بن سعيد بن أبي تمام التكريتي لنفسه هذه الأبيات يرثي بها أخاه فخر الدين أبا الفخر وقد توفي بتكريت في سنة أربع وثمانين وخمسمائة:

[من الطويل]

أيا نازلي أرض العراق لقيتما ... رشاداً ولا لاقاكما الدَّهر ذاعر

ولا زلتما في غبطة وسلامة ... تجيء بكم في القادمين بشائر

إذا جئتما تكريت في اللَّيل اهدياً ... سلامي إلى قبر سقته بواكر

ثواه فتًى لا يخلف الدَّهر مثله ... إلى أن ينادي في البرية حاشر

أبى الدَّهر أن يحيا أبو الفخر بعدما ... تولَّت من الدَّهر الخؤون مفاخر

بجانبها الغربي غيَّب بدره ... ولا غزو أن الغرب [للبدر] ساتر

سقى الله قبراً ضمَّ عقلاً وعفَّة ... غماماً ملثّاً قطره متواتر

ولا زال مخضر الجوانب مونقاً ... تمدُّ إليه من بعيد نواظر

وقولاً له إنَّي فقيد لفقده ... كأن فؤادي عند ذكراه طائر

وانك إن غيبِّت عن عين ناظري ... فلست بعيدا أن تراك البصائر

كفى بي حزناً أنَّ فقدك سالبي ... رقادي وأنَّ الجفن مني لماطر

/٢٢٦ أ/ إذا مات أهل الفضل واندرس العلا ... وضمَّ سراة العالمين مقابر

وصار أخو الآداب والعقل والحجى ... وراجي حياة عمره متقاصر

فلا حبِّرت للكاتبين محابر ... ولا نصبت للخاطبين منابر

ولو أنَّ بالمقدار حولاً وقوة ... لما حكمت في العالمين مقادر

ولكَّنه الكأس المدار على الورى ... ليشربه بالموت باد وحاضر

وأنشدني أيضاً قال: أنشدني القاضي أبو المجد قوله: [من الطويل]

إذا كان عودي ناظراً وشبيبتي ... لها رونق في نفسها وبهاء

<<  <  ج: ص:  >  >>