فلمَّا سكرنا قال: ما جئت ساقياً ... ولكنَّني وافيت خصماً مباريا
فقلنا لمن يعني جزيت كرامةً؟ ... فقال: عنيت الظَّاهر النَّدب غازيا
فأضحكنا ممَّا حكاه تعجُّباً ... وقلنا: لقد ضيَّعت تلك الأياديا
أتحكي جواداً يبذل المال باسماً ... وأنت إذا أسقيت أسقيت باكياً
وأقرب فنَّ فيكما أنَّ جوده ... متى ما استمحنا صوبه كان ساقيا
وأنت هداك الله للرشد لم تكن ... لتسقي الورى إلَّا إذا كنت شاتيا
فربما أقلعت عنَّا وأمسكت ... سماؤك حتَّى لست تنقع ظاميا
ومدَّت إلى الله الأكفِّ فلا ترى ... من النَّاس إلَّا ضارع الخدِّ داعيا
تحاول منه الغوث والعام أغبرٌ ... وجودك يبدو أحمر اللَّون قانيا
وأكثر ما يأتي نوال ابن يوسف ... غياث الورى والدِّين عفواً مفاجيا
يذوق حلاوات الغنى في دياره ... فتىً لغياث الدِّين قد بات راجيا
وله من قصيدة فيه أولها: [من البسيط]
ما بعد ذا اليوم للراجي المنى أربٌ ... نلت المرام ففيم السَّعي والطَّلب
بشارةٌ لك عندي قد خصصت بها ... والله أدرى إذا أعطى لمن يهب
إنَّ الخليل خليل الله من نطقت ... بفضله معجزات الآي والكتب
أرسى قواعد بيت الله في حرمٍ ... زاك فشدَّ إليه السَّرج والقتب
واختار بالشَّام للأضياف منزلةً ... أمسى بها لبني الآمال يجتلب
فمكَّةٌ أصبحت أمَّ القرى وغدت ... لمن أراد النَّدى أمَّ القرى حلب
بتلك تمسي الخطايا وهي ذاهبةٌ ... عن وفدها وبهذي يذهب السَّغب
وقال أيضاً وهو عند الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن أبي بكر ليلةً، وقد ملأ البركة ورداً حتى غطى الماء، وجعلوا الشمع حول البركة جميعها: [من البسيط]
يا أيُّها الملك الميمون أنت لنا ... شمسٌ نهاراً وتحت اللَّيل مصباح
أنت العليم بحلِّ المشكلات فقل ... ففي مقالك إيجازٌ وإفصاح
أهذه بركةٌ أم يوم معركةٍ ... آثارها منك ماضي العزم شحشاح
كأنَّ محمرَّ لون الورد فيض دمٍ ... في مائها وكأنَّ الشَّمع أرماح