وكان رجلاً تقياً ساكناً متواضعاً عاقلاً، ضعيف الحال، مستوراً، ليّن الجانب، خيّر، الطباع.
ولم يزل نحيفاً متمرضاً، وكان قد استولى عليه مرض السلّ حتى أذهب قوته، واصفرّ لونه، وبقى به برهة من الزمان يعالج نفسه ثالث جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وستمائة، ودفن بمقام الخليل إبراهيم –عليه السلام- قبلي حلب.
وكانت ولادته فيما أخبرني من لفظه في الليلة المسفرة عن صباح يوم الثلاثاء الثالث عشر من صفر سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، بالموصل بمحلة شاطئ النهر، بزقاق الاكلة.
وكان قد أوصى بعد موته؛ أن يغسل جميع ما قاله من الشعر، فغسله الموصى له فوقع عند بعض المعارف جزء فيه من شعره، وهو بخط يده، فاستعرته فتأملته فإذا فيه أقطاع متعددة، كان أنشدنيها /٨٩ أ/ -رحمة الله- في حال مذاكرتي له.
ولازم الشيخ أبا عبد الفارقي المقرئ نحو عشر سنين، وقرأ عليه القرآن تجويداً، حتى أحكم قراءته غاية الإحكام، وشهد له شيخه في بالحذق في القراءة، ولم يكن بعد شيخه أبي عبد الله محمد الفارقي مثله في قراءة القرآن وآدابه وتجويده، ومخارج الحروف، وتفرّد بهذا الشأن على قرّاء وقته.
فمما أنشدني لنفسه؛ قوله: [من مجزوء الرجز]
كم وعدوا واخلفوا ... وعاهدوا ولم يفوا
وكم دمٍ قد سفكوا ... ومهجةٍ قد اتلفوا
وكم محبٍّ قتلوا ... يوم النوى وانصرفوا
اظلُّ في آثارهم ... مناشداً توقّفوا
ساروا ولم يرثو له ... وفي الفيافي عسفوا
ترحلوا وفي الحدو ... ج اغيدٌ مهمفهف
بطلعه كالبدر لـ ... ـكنّ البدور تكسف
وقامةً كالغصن قد ... جار عليها الهيف