فلما رأيت الأمر على ذلك بان لي أنه يجب على كل من يقدر على دفع شبههم وأباطيلهم وقطع حجتهم وأضاليلهم أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم ويزيف دلائلهم ذبًّا عن الملة الحنيفية والسنة الصحيحة الجلية.
ولا والله ما رأيت فيهم أحدًا ممن صنف في هذا الشأن وادَّعى علوم المقام إلا وقد ساعد بمضمون كلامه في هدم قواعد دين الاسلام.
وسبب ذلك إعراضه عن الحق الواضح المبين وعن ما جاءت به الرسل الكرام عن رب العالمين، واتباعه طرق الفلسفة في الاصطلاحات التي سموها بزعمهم حكميات وعقليات، وإنما هي جهالات وضلالات وكونه التزمها معرضا عن غيرها أصلًا ورأسًا فغلبت عليه حتى غطت على عقله السليم، فتخبط حتى خبط فيها عشوًا، ولم يفرق بين الحق والباطل، وإلا فالله أعظم لطفًا بعباده أن لا يجعل لهم عقلًا يقبل الحق، ويثبته ويبطل الباطل وينفيه.
لكن عدم التوفيق وغلبة الهوى أوقع من أوقع في الضلال، وقد جعل الله تعالى العقل السليم من الشوائب ميزانًا يزن به العبد الواردات، فيفرق به بين ما هو من قبيل الحق، وما هو من قبيل الباطل، ولم يبعث الله الرسل إلا إلى ذوي العقل، ولم يقع التكليف إلا مع وجوده، فكيف يقال إنه مخالف لبعض ما جاءت به الرسل الكرام عن الله تعالى؟!
هذا باطل قطعًا يشهد له كل عقل سليم لكن {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور:٤٠] ... فهذا ونحوه هو الذي أوجب أني صرفت جل همي إلى الأصول وأن أوردت مقالاتهم وأجبت عنها بما أنعم الله تعالى به من الأجوبة النقلية والعقلية"انتهى