ولما عزمت على المهاجرة الى لقيه، وصلني خبر اعتقاله، وأصابني لذلك المقيم المقعد.
ولما حججت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة صممت العزم على السفر إلى دمشق لأتوصل إلى ملاقاته ببذل مهما أمكن من النفس والمال للتفريج عنه، فوافاني خبر وفاته -رحمه الله تعالى- مع الرجوع إلى العراق قبيل وصول الكوفة، فوجدت عليه ما لا يجده الأخ على شقيقه واستغفر الله بل ولا الوالد الثاكل على ولده، وما دخل على قلبي من الحزن لموت أحد من الولد والأقارب والأخوان كما وجدته عليه -رحمه الله تعالى-، ولا تخيلته قط في نفسي ولا تمثلته في قلبي إلا ويتجدد لي حزن قديمه كأنه محدثه، ووالله ما كتبتها إلا وأدمعي تتساقط عند ذكره أسفاً على فراقه وعدم ملاقاته، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وما شرحت هذه النبذة من محبة الشيخ -رحمة الله تعالى عليه- إلا ليتحقق بعدي عن الملك الموهوم.
لكن لما سبق الوعد الكريم منكم بانفاذ فهرست مصنفات الشيخ -رضي الله عنه-، وتأخر ذلك عني اعتقدت أن الإضراب عن ذلك نوع تقية أو لعذر لا يسعني السؤال عنه، فسكت عن الطلب خشية أن يلحق أحدًا ضرر والعياذ بالله بسببي لما كان قد اشتهر من تلك الأحوال، فإن أنعمتم بشيء من مصنفات الشيخ -رحمه الله تعالى- كانت لكم الحسنة عند الله تعالى علينا بذلك.
فما أشبه كلام هذا الرجل بالتبر الخالص المصفى، وقد يقع في كلام غيره من الغش والشبه المدلس بالتبر ما لا يخفى على طالب الحق لحرص وعدم هوى.