[٣] تأخيرُ البيانِ إلى وقتِ استِعْدَادِ المُكلَّفِ.
فمنْ هَذا: التَّدرُّجُ في التَّشريعِ، وعليهِ عامَّةُ شرائعِ الدِّينِ.
فعنْ عائشةَ رضي الله عنهَا وهي تذْكُرُ نُزُول القُرآن قالتْ: إنَّما نزلَ أوَّل ما نزلَ منهُ سٌورةٌ من المفصَّلِ فيها ذِكرُ الجنَّةِ والنَّارِ، حتَّى إذا ثابَ النَّاسُ إلى الإسلامِ نزلَ الحلالُ والحرامُ، ولو نزَلَ أوَّل شيءٍ: لا تشْربُوا الخمرَ لقالُوا: لا نَدَعُ الخمرَ أبدًا، ولوْ نزلَ: ولا تزْنُوا لقالوا: لا ندَعُ الزِّنا أبدًا [أخرجه البخاريُّ] .
ومنهُ: التَّدرُّجُ في التَّبيلغِ، كما في قصَّةِ معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنه حينَ بعثهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمنِ، قالَ لهُ:((إنَّك تقدُمُ على قومٍ أهْلِ كتابٍ، فليَكُنْ أوَّلَ ما تدْعُوهُم إليه عبادَةُ الله عزَّوجلَّ، فإذا عرفُوا اللهَ فأخبِرْهُم أنَّ الله فرض عليهِمْ خمسَ صلواتٍ في يومِهِم وليْلَتِهِم، فإذا فعلُوا فأخبرهُمْ أنَّ الله قدْ فرضَ عليهِم زكاةً تُؤخذُ من أغنيائِهِمْ فترَدُّ على فُقرائِهِم، فإذا أطَاعُوا بها فخُذْ منهُم وتوقَّ كرائمَ أمْوالِهِمْ)) [متفقٌ عليه] .
* دلالة آياته على الأحكام:
وُرودُ القرآنِ قطعيٌّ كما تقدَّم، وهوَ حُجَّةٌ مُلزِمَةٌ لا تقبلُ التَّردُّدَ ولاَ يرِدُ عليهَا الاحتمالُ من جهَةِ كونِهِ من أوَّلِهِ إلى مُنتهَاهُ بجميعِ ألفاظِهِ